للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) .

تَذْيِيلٌ لِأَنَّهُ أَفَادَ عُمُومَ الْآجَالِ فَشَمِلَ أَجَلَ الْإِتْيَانِ بِآيَةٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَذَلِكَ إِبْطَالٌ لِتَوَهُّمِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ تَأَخُّرَ الْوَعِيدِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِدْقِهِ. وَهَذَا يُنْظِرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ [سُورَة العنكبوت: ٥٣] فَقَدَ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ الْآيَة [سُورَة الْأَنْفَال: ٣٢] .

وَإِذْ قَدْ كَانَ مَا سَأَلُوهُ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ وَكَانَ مَا وَعَدُوهُ آيَةً عَلَى صِدْقِ الرِّسَالَةِ نَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ هُنَا أَنَّ تَأْخِيرَ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حُصُولِهِ، فَإِنَّ لِذَلِكَ آجَالًا أَرَادَهَا اللَّهُ وَاقْتَضَتْهَا حِكْمَتُهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِخَلْقِهِ وَشُؤُونِهِمْ وَلَكِنَّ الْجَهَلَةَ يَقِيسُونَ تَصَرُّفَاتِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا

تَجْرِي بِهِ تَصَرُّفَاتُ الْخَلَائِقِ.

وَالْأَجَلُ: الْوَقْتُ الْمُوَقَّتُ بِهِ عَمَلٌ مَعْزُومٌ أَوْ مَوْعُودٌ.

وَالْكِتَابُ: الْمَكْتُوبُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّحْدِيدِ وَالضَّبْطِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُرَادُ تَحَقُّقُهَا أَنْ تُكْتَبَ لِئَلَّا يُخَالَفَ عَلَيْهَا. وَفِي هَذَا الرَّدِّ تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ. وَالْمَعْنَى: لِكُلِّ وَاقِعٍ أَجَلٌ يَقَعُ عِنْدَهُ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، أَيْ تَعْيِينٌ وَتَحْدِيدٌ لَا يَتَقَدَّمُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنهُ.

وَجُمْلَة يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ جُمْلَةَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ تَقْتَضِي أَنَّ الْوَعِيدَ كَائِنٌ وَلَيْسَ تَأْخِيرُهُ مُزِيلًا لَهُ. وَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ تَأْيِيسٌ لِلنَّاسِ عَقَّبَ بِالْإِعْلَامِ بِأَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ وَبِإِحْلَالِ الرَّجَاءِ مَحَلَّ الْيَأْسِ، فَجَاءَت جملَة يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ احْتِرَاسًا.

وَحَقِيقَةُ الْمَحْوِ: إِزَالَةُ شَيْءٍ، وَكَثُرَ فِي إِزَالَةِ الْخَطِّ أَوِ الصُّورَةِ، وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى عَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ، قَالَ تَعَالَى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ