للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى.

وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ شِبْهُ الِاحْتِبَاكِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَكَانَ وَلِيَّهُمْ حِينَئِذٍ، وَهُوَ وَلِيُّ الْمُشْرِكِينَ الْيَوْمَ يُزَيِّنُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ كَمَا كَانَ وَلِيَّ مَنْ قَبْلَهُمْ.

وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ مُسْتَعْمَلٌ فِي زَمَانٍ مَعْهُودٍ بِعَهْدِ الْحُضُورِ، أَيْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْآنَ. وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِمْرَارِ وِلَايَتِهِ لَهُمْ إِلَى زَمَنِ الْمُتَكَلِّمِ مُطْلَقًا بِدُونِ قَصْدٍ، لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِلزَّمَانِ الْحَاضِرِ. وَأَصْلُهُ: الْيَوْمُ الْحَاضِرُ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٣] .

وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي يَوْمٍ مَضَى مُعَرَّفًا بِاللَّامِ إِلَّا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، نَحْوَ: ذَلِكَ الْيَوْمُ، أَوْ مثل: يَوْمئِذٍ.

[٦٤]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٦٤]

وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الْقَسَمِ. وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ لِإِتْمَامِ الْهِدَايَةِ وَكَشْفِ الشُّبْهَاتِ الَّتِي عَرَضَتْ لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاضِرَةِ فَتُرِكَتْ أَمْثَالُهَا فِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ.

فَلَمَّا ذُكِرَتْ ضَلَالَاتُهُمْ وَشُبْهَاتُهُمْ عُقِّبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي إِرْسَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِلَيْهِ، فَالْقُرْآنُ جَاءَ مُبَيِّنًا لِلْمُشْرِكِينَ ضَلَالَهُمْ بَيَانًا لَا يَتْرُكُ لِلْبَاطِلِ مَسْلَكًا إِلَى النُّفُوسِ، وَمُفْصِحًا عَنِ الْهُدَى إِفْصَاحًا لَا يَتْرُكُ لِلْحِيرَةِ مَجَالًا فِي الْعُقُولِ، وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا جَازَاهُمْ عَنْ إِيمَانِهِمْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.