للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرَشَاقَةُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْحَالَتَيْنِ الْمُشَبَّهَتَيْنِ وَالْمُشَبَّهَ بِهِمَا حَالَتَا مَوْلًى وَعَبْدٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا

رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ

[سُورَة الرّوم: ٢٨] .

وَالْغَرَضُ مِنَ التَّمْثِيلِ تَشْنِيعُ مَقَالَتِهِمْ وَاسْتِحَالَةُ صِدْقِهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ، ثُمَّ زِيَادَةُ التَّشْنِيعِ بِأَنَّهُمْ رَضُوا لِلَّهِ مَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [سُورَة النَّحْل: ٥٧- ٦٠] .

وَقَرِينَةُ التَّمْثِيلِ وَالْمَقْصِدُ مِنْهُ دَلَالَةُ الْمَقَامِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا نَفْيٌ. وَ (مَا) نَافِيَةٌ، وَالْبَاءُ فِي بِرَادِّي رِزْقِهِمْ الْبَاءُ الَّتِي تُزَادُ فِي خَبَرِ النَّفْيِ بِ (مَا) وَ (لَيْسَ) .

وَالرَّادُّ: الْمُعْطِي. كَمَا

فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ»

، أَيْ فَمَا هُمْ بِمُعْطِينَ رِزْقَهُمْ لِعَبِيدِهِمْ إِعْطَاءَ مُشَاطَرَةٍ بِحَيْثُ يُسَوُّونَهُمْ بِهِمْ، أَيْ فَمَا ذَلِكَ بِوَاقِعٍ.

وَإِسْنَادُ الْمِلْكِ إِلَى الْيَمِينِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ وَهْمِيٌّ لِلْمِلْكِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ إِمَّا أَسْرٌ وَهُوَ أَثَرٌ لِلْقِتَالِ بِالسَّيْفِ الَّذِي تُمْسِكُهُ الْيَدُ الْيُمْنَى، وَإِمَّا شِرَاءٌ وَدَفْعُ الثَّمَنِ يَكُونُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى عُرْفًا، فَهِيَ سَبَب وهمي ناشىء عَنِ الْعَادَةِ.

وَفُرِّعَتْ جُمْلَةُ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ عَلَى جُمْلَةِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ، أَيْ لَا يُشَاطِرُونَ عَبِيدَهُمْ رِزْقَهُمْ فَيَسْتَوُوا فِيهِ، أَيْ لَا يَقَعُ ذَلِكَ فَيَقَعُ هَذَا. فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ شَبِيهٌ بِمَوْقِعِ الْفِعْلِ بَعْدَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ.

وَأَمَّا جُمْلَةُ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ فَصَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةً عَلَى جُمْلَةِ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الِامْتِنَانِ، أَيْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ جَمِيعًا بِالرِّزْقِ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ تَجْحَدُونَ، اسْتِفْهَامًا مُسْتَعْمَلًا فِي التوبيخ، حَيْثُ أَشْرَكُوا مَعَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ آلِهَةً لَا حَظَّ لَهَا فِي الْإِنْعَامِ