للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٥٨] . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ [سُورَة النَّحْل: ٣٢] وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا.

فَالطَّيِّبَاتُ هُنَا الْأَرْزَاقُ الواسعة المحبوبة للنَّاس كَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ فِي سُورَةِ

آلِ عِمْرَانَ أَوِ الْمَطْعُومَاتُ وَالْمَشْرُوبَاتُ اللَّذِيذَةُ الصَّالِحَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الطَّيِّبَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٥] ، وَذُكِرَ الطَّيِّبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٨] .

وَفُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ وَالْمِنَّةِ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِالْبَاطِلِ الْبَيِّنِ، فَتَفْرِيعُ التَّوْبِيخِ عَلَيْهِ وَاضِحُ الِاتِّجَاهِ.

وَالْبَاطِلُ: ضِدُّ الْحَقِّ لِأَنَّ مَا لَا يَخْلُقُ لَا يُعْبَدُ بِحَقٍّ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْله تَعَالَى: أَفَبِالْباطِلِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّعْرِيفِ بِبَاطِلِهِمْ.

وَالِالْتِفَاتُ عَنِ الْخِطَابِ السَّابِق إِلَى الْغَيْبَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَبِالْباطِلِ يَجْرِي الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [سُورَة النَّحْل:

٧١] .

وَقَوله تَعَالَى: وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ التَّوْبِيخِ، وَهُوَ تَوْبِيخٌ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً إِلَى قَوْلِهِ:

وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ مِنْ الِامْتِنَانِ بِذَلِكَ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ بَعْدَ كَوْنِهِمَا دَلِيلًا عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْله تَعَالَى: بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ.

وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ يَكْفُرُونَ ضَمِيرُ فَصْلٍ لِتَأْكِيدِ الْحُكْمِ بِكُفْرَانِهِمُ النِّعْمَةَ لِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ أَخْفَى مِنَ الْإِيمَانِ بِالْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْكُفْرَانَ يَتَعَلَّقُ بِحَالَاتِ الْقَلْبِ، فَاجْتمع فِي هَذِه الْجُمْلَةِ تَأْكِيدَانِ: التَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ التَّقْدِيمُ، وَالتَّأْكِيدُ الَّذِي أَفَادَهُ ضَمِيرُ الْفَصْلِ.