للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّكَ مَا عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ. وَنَظِيرُ هَذِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [سُورَة الْمَائِدَة: ٩٢] .

[٨٣]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٨٣]

يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ تَوَلِّيَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ مَعَ وَفْرَةِ أَسْبَابِ اتِّبَاعِهِ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نَفْسِ السَّامِعِ: كَيْفَ خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ دَلَائِلُ الْإِسْلَامِ، فَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَرَفُوا نِعْمَةَ اللَّهِ وَلَكِنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهَا إِنْكَارًا وَمُكَابَرَةً. وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَهَا حَالًا مِنْ ضمير تَوَلَّوْا [سُورَة النَّحْل: ٨٢] .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ لِجُمْلَةِ تَوَلَّوْا.

وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ عَطْفِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا. وَالْمَعْنَى: هُمْ يَعْلَمُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ الْمَعْدُودَةَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ مُنْتَفِعُونَ بِهَا، وَمَعَ تَحَقُّقُهِمْ أَنَّهَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ يُنْكِرُونَهَا، أَيْ يَنْكَرُونَ شُكْرَهَا فَإِنَّ النِّعْمَةَ تَقْتَضِي أَنْ يَشْكُرَ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ بِهَا مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا عَبَدُوا مَا لَا يُنْعِمُ عَلَيْهِمْ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَدْ أُطْلِقَ فِعْلُ «يُنْكِرُونَ» بِمَعْنَى إِنْكَارِ حَقِّ النِّعْمَةِ، فَإِسْنَادُ إِنْكَارِ النِّعْمَةِ إِلَيْهِمْ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، أَيْ يُنْكِرُونَ مُلَابِسَهَا وَهُوَ الشُّكْرُ.

وثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ، فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى جملَة يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَيُنْكِرُونَهَا، لِأَنَّ ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ لِلْعَطْفِ اقْتَضَتِ التَّشْرِيكَ فِي الْحُكْمِ، وَلَمَّا كَانَتْ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ زَالَ عَنْهَا مَعْنَى الْمُهْلَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ هِيَ لَهُ فَبَقِيَ لَهَا مَعْنَى التَّشْرِيكِ وَصَارَتِ الْمُهْلَةُ مُهْلَةً رُتَبِيَّةً لِأَنَّ إِنْكَارَ نِعْمَةِ اللَّهِ أَمْرٌ غَرِيبٌ.

وَإِنْكَارُ النِّعْمَةِ يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيع الْمُشْركين أيّمتهم وَدَهْمَاؤُهُمْ، فَفَرِيقٌ مِنَ الْمُشْركين وهم أيّمة الْكُفْرِ شَأْنُهُمُ التَّعَقُّلُ وَالتَّأَمُّلُ فَإِنَّهُمْ عَرِفُوا النِّعْمَةَ بِإِقْرَارِهِمْ بِالْمُنْعِمِ وَبِمَا سَمِعُوا مِنْ دَلَائِلِ الْقُرْآنِ حَتَّى تَرَدَّدُوا وَشَكُّوا فِي