للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ [سُورَة الذاريات: ١٤] ، وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [سُورَة البروج:

١٠] . وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩١] . أَيْ فَقَدْ نَالَهُمُ الْأَذَى فِي اللَّهِ.

وَالْمُجَاهَدَةُ: الْمُقَاوَمَةُ بِالْجُهْدِ، أَيِ الطَّاقَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْمُجَاهَدَةِ هُنَا دِفَاعُهُمُ الْمُشْرِكِينَ عَنْ أَنْ يَرُدُّوهُمْ إِلَى الْكُفْرِ.

وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مَكِّيَّتَانِ نَازِلَتَانِ قَبْلَ شَرْعِ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى قِتَالِ الْكُفَّارِ لِنَصْرِ الدِّينِ.

وَالصَّبْرُ: الثَّبَاتُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكْرُوهِ وَالْمَشَاقِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٥] .

وَأَكَّدَ الْخَبَرَ بِحرف التوكيد وبالتوكيد اللَّفْظِيِّ لِتَحْقِيقِ الْوَعْدِ، وَالِاهْتِمَامُ يَدْفَعُ النَّقِيصَةَ عَنْهُمْ فِي الْفَضْلِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا

فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» : أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، دَخَلَتْ عَلَى حَفْصَةَ فَدخل عمر عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهَا: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ أَسْمَاءُ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ، كُنْتُمْ مَعَ النَّبِيءِ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي أَرْضِ الْبَعْدَاءِ الْبَغْضَاءِ بِالْحَبَشَةِ وَنَحْنُ كُنَّا نَؤْذَى وَنَخَافُ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ حَفْصَةَ قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَمَا قُلْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «لَيست بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ»

. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ هاجَرُوا مُتَعَلِّقٌ بِ «غَفُورٌ» مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ. وَأُعِيدَ إِنَّ رَبَّكَ ثَانِيًا لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا الْمُقْتَرِنِ بِلَامِ الِابْتِدَاءِ مَعَ إِفَادَةِ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ.