للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ سِلْسِلَةُ غَزَوَاتِ الرُّومَانِيِّينَ بِلَادَ أُورْشَلِيمَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ [الْإِسْرَاء: ٦] الْآيَةَ.

وَإِسْنَادُ الْإِفْسَادِ إِلَى ضَمِيرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُفِيدٌ أَنَّهُ إِفْسَادٌ مِنْ جُمْهُورِهِمْ بِحَيْثُ تُعَدُّ الْأُمَّةُ كُلُّهَا مُفْسِدَةً وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْلُو مِنْ صَالِحِينَ.

وَالْعُلُوُّ فِي قَوْلِهِ: وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً مَجَازٌ فِي الطُّغْيَانِ وَالْعِصْيَانِ كَقَوْلِهِ: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ [الْقَصَص: ٤] وَقَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ [الدُّخان:

٣١] وَقَوْلِهِ: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النَّمْل: ٣١] تَشْبِيهًا لِلتَّكَبُّرِ وَالطُّغْيَانِ بِالْعُلُوِّ عَلَى الشَّيْءِ لِامْتِلَاكِهِ تَشْبِيهَ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ.

وَأَصْلُ وَلَتَعْلُنَّ لَتَعْلُوُونَنَّ. وَأَصْلُ لَتُفْسِدُنَّ لَتُفْسِدُونَنَّ.

وَالْوَعْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ مَوْعُودُ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ، أَيِ الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لِحُصُولِ الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْعُلُوِّ، كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الْكَهْف: ٩٨] .

وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا أَيْ مَعْمُولًا وَمُنَفَّذًا.

وَإِضَافَةُ وَعْدُ إِلَى أُولاهُما بَيَانِيَّةٌ، أَيِ الْمَوْعُودُ الَّذِي هُوَ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْعُلُوِّ.

وَالْبَعْثُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَكْوِينِ السَّيْرِ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ وَتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ حَتَّى كَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٦٧] ، وَهُوَ بَعْثُ تَكْوِينٍ وَتَسْخِيرٍ لَا بَعْثٌ بِوَحْيٍ وَأَمْرٍ.

وَتَعْدِيَةُ بَعَثْنا بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى التَّسْلِيطِ كَقَوْلِهِ: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ [الْأَعْرَاف: ١٦٧] .

وَالْعِبَادُ: الْمَمْلُوكُونَ، وَهَؤُلَاءِ عِبَادُ مَخْلُوقِيَّةٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: عِبَادُ اللَّهِ. وَيُقَالُ:

عَبِيدٌ، بِدُونِ إِضَافَةٍ، نَحْوُ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: ٤٦] ، فَإِذَا قُصِدَ