للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هُوَ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ الْمُنَاسِبَ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ إِذْ لَا عِبَادَةَ لَهُمْ.

وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فَصَلَ فِيهَا حُكْمُ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَحُكْمُ الْقَتْلِ وَحُكْمُ الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يَفْصِلْ مَا فِي آيَة الْأَنْعَامُ.

وَكَانَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ خَمْسَةَ عَشَرَ تَشْرِيعًا هِيَ أُصُولُ التَّشْرِيعِ الرَّاجِعِ إِلَى نِظَامِ الْمُجْتَمَعِ.

وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ اشْتُهِرَتْ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَكَّةَ وَتَنَاقَلَهَا الْعَرَبُ فِي الْآفَاقِ، فَلِذَلِكَ أَلَمَّ الْأَعْشَى بِبَعْضِهَا فِي قَصِيدَتِهِ الْمَرْوِيَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لمدح النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ يُرِيدُ الْإِيمَانَ فَصَدَّتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، وَهِيَ الْقَصِيدَةُ الدَّالِيَّةُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:

أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ ... نَبِيءِ الْإِلَهِ حِينَ أَوْصَى وَأَشْهَدَا

فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لَا تَأْكُلَنَّهَا ... وَلَا تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصَدَا

وَذَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّهُ ... وَلَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللَّهَ فَاعْبُدَا

وَذَا الرَّحِمِ الْقُرْبَى فَلَا تَقْطَعَنَّهُ ... لِفَاقَتِهِ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا

وَلَا تَسْخَرَنْ مِنْ بَائِسٍ ذِي ضِرَارَةٍ ... وَلَا تَحْسَبَنَّ الْمَالَ لِلْمَرْءِ مُخْلِدًا

وَلَا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا ... عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا (١)

وَافْتُتِحَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَالْوَصَايَا بِفِعْلِ الْقَضَاءِ اهْتِمَامًا بِهِ وَأَنَّهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرًا جَازِمًا وَحُكْمًا لَازِمًا، وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ كَقَوْلِهِ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ [الْإِسْرَاء: ٤] لِظُهُورِ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا مِمَّا يَقَعُ وَلَا يَقَعُ.

وَ (أَنْ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرِيَّةً لِمَا فِي (قَضَى) مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مَجْرُورَةً بِبَاءِ جَرٍّ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ قَضَى بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا. وَابْتُدِئَ هَذَاِِ


(١) التأبد: التعزب.