للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ الثَّامِنَةُ مِنَ الْوَصَايَا الْإِلَهِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الْإِسْرَاء: ٢٣] .

وَالْقُرْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَقَلُّ الْمُلَابَسَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ النَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَةِ الزِّنَا، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ: مَا كَادَ يَفْعَلُ.

وَالزِّنَى فِي اصْطِلَاحِ الْإِسْلَامِ مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ وَلَا مَمْلُوكَةٍ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ. وَفِي الْجَاهِلِيَّةِ الزِّنَى: مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً حُرَّةً غَيْرَ زَوْجٍ لَهُ وَأَمَّا مُجَامَعَةُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لِلرَّجُلِ فَهُوَ الْبِغَاءُ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مُلَابَسَتِهِ تَعْلِيلًا مُبَالَغًا فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ بِوَصْفِهِ بِالْفَاحِشَةِ الدَّالِّ عَلَى فِعْلَةٍ بَالِغَةٍ الْحَدَّ الْأَقْصَى فِي الْقُبْحِ، وَبِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِحَرْفِ

التَّوْكِيدِ، وَبِإِقْحَامِ فِعْلِ (كَانَ) الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ خَبَرَهُ وَصْفٌ رَاسِخٌ مُسْتَقِرٌّ، كَمَا تقدم فِي قَوْله:

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ [الْإِسْرَاء: ٢٧] .

وَالْمُرَادُ: أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ عَلِمَهُ النَّاسُ مِنْ قَبْلُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ.

وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الذَّمِّ وَهُوَ ساءَ سَبِيلًا، وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ. وَهُوَ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلْفِعْلِ الَّذِي يُلَازِمُهُ الْمَرْءُ وَيَكُونُ لَهُ دَأْبًا اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى [طه: ٢١] ، فَبُنِيَ عَلَى اسْتِعَارَةِ السَّيْرِ لِلْعَمَلِ اسْتِعَارَةُ السَّبِيلِ لَهُ بِعَلَاقَةِ الْمُلَازَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٢] .

وَعِنَايَةُ الْإِسْلَامِ بِتَحْرِيمِ الزِّنَى لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ النَّسَبِ وَتَعْرِيضَ النَّسْلِ لِلْإِهْمَالِ إِنْ كَانَ الزِّنَى بِغَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ وَهُوَ خَلَلٌ عَظِيمٌ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إِفْسَادَ النِّسَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَالْأَبْكَارِ عَلَى أَوْلِيَائِهِنَّ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْمَرْأَةِ إِلَى الْإِهْمَالِ بِإِعْرَاضِ النَّاسِ عَنْ تَزَوُّجِهَا، وَطَلَاقِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا، وَلِمَا يَنْشَأُ عَنِ الْغَيْرَةِ مِنَ الْهَرْجِ وَالتَّقَاتُلِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

عَلَيَّ حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي