للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُسْتَقِيمُ: السَّوِيُّ، مُشْتَقٌّ مِنِ الْقَوَامِ- بِفَتْحِ الْقَافِ- وَهُوَ اعْتِدَالُ الذَّاتِ. يُقَالُ:

قَوَّمْتُهُ فَاسْتَقَامَ. وَوَصْفُ الْمِيزَانِ بِهِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْعَدْلُ فَهُوَ وَصْفٌ لَهُ كَاشِفٌ لِأَنَّ الْعَدْلَ كُلَّهُ اسْتِقَامَةٌ.

وَجُمْلَةُ ذلِكَ خَيْرٌ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ فِعْلَيْ كِلْتُمْ وزِنُوا.

وخَيْرٌ تَفْضِيلٌ، أَيْ خَيْرٌ مِنَ التَّطْفِيفِ، أَيْ خَيْرٌ لَكُمْ. فُضِّلَ عَلَى التَّطْفِيفِ تَفْضِيلًا لِخَيْرِ الْآخِرَةِ الْحَاصِلِ مِنْ ثَوَابِ الِامْتِثَالِ عَلَى خَيْرِ الدُّنْيَا الْحَاصِلِ مِنَ الِاسْتِفْضَالِ الَّذِي يُطَفِّفُهُ الْمُطَفِّفُ، وَهُوَ أَيْضًا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ انْشِرَاحَ النَّفْسِ الْحَاصِلَ لِلْمَرْءِ مِنَ الْإِنْصَافِ فِي الْحَقِّ أفضل من الارتباح الْحَاصِلِ لَهُ بِاسْتِفْضَالِ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ.

وَالتَّأْوِيلُ: تَفْعِيلٌ مِنَ الْأَوَلِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ. يُقَالُ: أَوَّلَهُ إِذَا أَرْجَعَهُ، أَيْ أَحْسَنَ إِرْجَاعًا، إِذَا أَرْجَعَهُ الْمُتَأَمِّلُ إِلَى مَرَاجِعِهِ وَعَوَاقِبِهِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ يَكُونُ كَالْمُنْتَقِلِ بِمَاهِيَّةِ الشَّيْءِ فِي مَوَاقِعِ الْأَحْوَالِ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فَإِذَا كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ صَلَاحًا اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْمُتَأَمِّلِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَكَأَنَّهُ أَرْجَعَهَا بَعْدَ التَّطْوَافِ إِلَى مَكَانِهَا الصَّالِحِ بِهَا وَهُوَ مَقَرُّهَا، فَأَطْلَقَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الرَّأْي بعد التَّأَمُّل اسْمَ التَّأْوِيلِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ، وَشَاعَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ.

وَمَعْنَى كَوْنِ ذَلِكَ أَحْسَنَ تَأْوِيلًا: أَنَّ النَّظَرَ إِذَا جَالَ فِي مَنَافِعِ التَّطْفِيفِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَفِي مَضَارِّ الْإِيفَاءِ فِيهِمَا ثُمَّ عَادَ فَجَالَ فِي مَضَارِّ التَّطْفِيفِ وَمَنَافِعِ الْإِيفَاءِ اسْتَقَرَّ وَآلَ إِلَى أَنَّ الْإِيفَاءَ بِهِمَا خَيْرٌ مِنَ التَّطْفِيفِ، لِأَنَّ التَّطْفِيفَ يَعُودُ عَلَى الْمُطَفِّفِ بِاقْتِنَاءِ جُزْءٍ قَلِيلٍ مِنَ الْمَالِ وَيُكْسِبُهُ الْكَرَاهِيَةَ وَالذَّمَّ عِنْدَ النَّاسِ وَغَضَبَ اللَّهِ وَالسُّحْتَ فِي مَالِهِ مَعَ احْتِقَارِ نَفْسِهِ فِي نَفْسِهِ، وَالْإِيفَاءُ بِعَكْسِ ذَلِكَ يُكْسِبُهُ مَيْلَ النَّاسِ إِلَيْهِ وَرِضَى اللَّهِ عَنْهُ وَرِضَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَرَكَةَ فِي مَالِهِ