للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَمَا لِيَ أَرَانِي وَابْنَ عَمِّي مَالِكًا ... مَتى أذن مِنْهُ ينأعني وَيَبْعُدُ

أَيْ أَرَى نَفْسِي.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْقِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [الْأَنْبِيَاء: ٣٦] . وَالْمَعْنَى أَخْبِرْنِي عَنْ نِيَّتِكَ أَهَذَا الَّذِي كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ بِلَا وَجْهٍ.

وَجُمْلَة لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِلَخْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا، وَهِيَ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ، وَاللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ مَعَ الشَّرْطِ، وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الدُّعَاءِ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ص: ٧٩] .

وَهَذَا الْكَلَامُ صَدَرَ مِنْ إِبْلِيسَ إِعْرَابًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَإِنَّمَا شَرَطَ التَّأْخِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَعُمَّ بِإِغْوَائِهِ جَمِيعَ أَجْيَالِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فَلَا يَكُونُ جِيلٌ آمِنًا مِنْ إِغْوَائِهِ.

وَصَدَرَ ذَلِكَ مِنْ إِبْلِيسَ عَنْ وِجْدَانٍ أُلْقِيَ فِي نَفْسِهِ صَادَفَ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَهُ قَدَّرَ لَهُ أَنْ يَكُونَ عُنْصُرَ إِغْوَاءٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يُغْوِي كَثِيرًا مِنَ الْبَشَرِ وَيَسْلَمُ مِنْهُ قَلِيلٌ مِنْهُمْ.

وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى إِغْوَاءِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ إِغْوَاءَ آدَمَ وَهُوَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ- إِذْ آدَمُ هُوَ

أَصْلُ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْحَسَدِ مِنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ- إِمَّا لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَالَهُ بعد أَن أعوى آدَمَ وَأُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَدْ شَفَى غَلِيلَهُ مِنْهُ وَبَقِيَتِ الْعَدَاوَةُ مُسْتَرْسِلَةً فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ [فاطر: ٦] .

وَالِاحْتِنَاكُ: وَضْعُ الرَّاكِبِ اللِّجَامَ فِي حَنَكِ الْفَرَسِ لِيَرْكَبَهُ وَيُسَيِّرَهُ، فَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِجَلْبِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ إِلَى مُرَادِهِ مِنَ الْإِفْسَادِ وَالْإِغْوَاءِ بِتَسْيِيرِ الْفَرَسِ عَلَى حُبِّ مَا يُرِيد رَاكِبه.