للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِلَّا لَمَا أَفْنَاهُمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُمْ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي أَنَّ مَا يُوجِدُهُ الْحَكِيمُ يَحْرِصُ عَلَى بَقَائِهِ وَعَدَمِ فَنَائِهِ، فَمَا كَانَ هَذَا الْفَنَاءُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ إِلَّا فَنَاءً عَارِضًا لِاسْتِقْبَالِ وُجُودٍ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الْوُجُودِ وَأَبْقَى.

وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَوَجْهُ كَوْنِ هَذَا الْجَعْلِ لَهُمْ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْآجَالَ آجَالُهُمْ. وَكَوْنُهُ لَا رَيْبَ فِيهِ أَيْضًا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْتَابُونَ فِي أَنَّ لِحَيَاتِهِمْ آجَالًا. وَقَدْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ: لَهُمْ أَجَلًا تَعْرِيضًا بِالْمِنَّةِ بِنِعْمَةِ الْإِمْهَالِ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ وَتَعْرِيضًا بِالتَّذْكِيرِ بِإِفَاضَةِ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهِمْ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تَذْكِيرًا بِمَا تَحْتَوِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَأَسْبَابِهَا.

وَجُمْلَةُ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً تَفْرِيعٌ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتَاهُ مِنَ الْإِنْكَارِ وَالتَّعْجِيبِ، أَيْ عَلِمُوا أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ الْأَجْسَامِ وَمَعَ عِلْمِهِمْ أَبَوْا إِلَّا كُفُورًا. فَالتَّفْرِيعُ مِنْ تَمَامِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ.

وَاسْتِثْنَاءُ الْكُفُورِ مِنَ الْإِبَايَةِ تَأْكِيدٌ لِلشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ.

وَالْكُفُورُ: جُحُودُ النِّعْمَةِ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا. وَاخْتِيرَ «الْكُفُورُ» هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَكَفَرُوا نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِمْ فَعَبَدُوا غير الْمُنعم.

[١٠٠]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ١٠٠]

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠)

اعْتِرَاض ناشىء عَنْ بَعْضِ مُقْتَرَحَاتِهِمُ الَّتِي تَوَهَّمُوا عَدَمَ حُصُولِهَا دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ إِرْسَالِ بَشِيرٍ، فَالْكَلَامُ اسْتِئْنَافٌ لِتَكْمِلَةِ رَدِّ شُبُهَاتِهِمْ. وَهَذَا رَدٌّ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُمْ: حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إِلَى قَوْله: تَفْجِيراً [الْإِسْرَاء: ٩٠- ٩١] ، وَقَوْلُهُمْ: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ [الْإِسْرَاء: ٩٣] مِنْ تَعَذُّرِ حُصُولِ ذَلِكَ لِعَظِيمِ قِيمَتِهِ.