للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَثَلٌ لِلْمُكَابِرِينَ كُلِّهِمْ وَمَا قُرَيْشٌ إِلَّا مِنْهُمْ. فَفِي هَذَا مَثَلٌ لِلْمُعَانِدِينَ وَتَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ. وَالْآيَاتُ التِّسْعُ هِيَ: بَيَاضُ يَدِهِ كُلَّمَا أَدْخَلَهَا فِي جَيْبِهِ وَأَخْرَجَهَا، وَانْقِلَابُ الْعَصَا حَيَّةً، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقَمْلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالرِّجْزُ وَهُوَ الدُّمَّلُ، وَالْقَحْطُ وَهُوَ السُّنُونَ وَنَقَصُ الثَّمَرَاتِ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَاف. وَجَمعهَا الفيروزآبادىّ فِي قَوْلِهِ:

عَصًا، سَنَةٌ، بَحْرٌ، جَرَادٌ، وَقُمَّلُ ... يَدٌ، وَدَمٌ، بَعْدَ الضَّفَادِعِ طُوفَانُ

فَقَدْ حَصَلَتْ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقْتَرِحُونَ الْآيَاتِ.

ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الِاعْتِنَاءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالة مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالرِّسَالَةِ بِعِلَّةِ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بَشَرٌ، وَلِلْحُجَّةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَقَّنُوهُمْ شُبَهَ الْإِلْحَادِ فِي الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِيَصْفُوَ لَهُمْ جَوُّ الْعِلْمِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَهُمْ مَا كَانُوا يَحْسُبُونَ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ حِسَابًا.

فَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ عَلَى رِسَالَتِهِ.

وَهَذَا مِثْلُ التَّنْظِيرِ بَيْنَ إِيتَاءِ مُوسَى الْكتاب وَإِيتَاءِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الْإِسْرَاء: ٢] الْآيَاتِ، ثُمَّ قَوْلِهِ: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الْإِسْرَاء: ٩] .

فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الْإِسْرَاء: ٩٣] أَوْ عَلَى جُمْلَةِ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي الْآيَة [الْإِسْرَاء:

١٠٠] .

ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةِ التَّفْرِيعِ إِلَى التَّسْجِيلِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتِشْهَادًا بِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِدْمَاجًا لِلتَّعْرِيضِ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ سَاوَوُا الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارِ