للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأُكِّدَ كَلَامُ مُوسَى بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ تَحْقِيقًا لِحُصُولِ عِلْمِ فِرْعَوْنَ بِذَلِكَ.

وَإِنَّمَا أَيْقَنَ مُوسَى بِأَنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ: إِمَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ أَعْلَمَهُ بِهِ، وَإِمَّا بِرَأْيٍ مُصِيبٍ، لِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عِنْدَ قِيَامِ الْبُرْهَانِ الضَّرُورِيِّ حُصُولٌ عَقْلِيٌّ طَبِيعِيٌّ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ عَقْلٍ سَلِيمٍ.

وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ لَقَدْ عَلِمْتَ- بِضَمِّ التَّاءِ-، أَيْ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ لَيْسَتْ بِسِحْرٍ كَمَا زَعَمْتَ كِنَايَةً عَلَى أَنَّهُ وَاثِقٌ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ مِنَ السِّحْرِ.

وَالْإِشَارَةُ بِ هؤُلاءِ إِلَى الْآيَاتِ التِّسْعِ جِيءَ لَهَا بِاسْمِ إِشَارَةِ الْعَاقِلِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مَشْهُورٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [الْإِسْرَاء: ٣٦] ، وَقَوْلُ جَرِيرٍ:

ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللَّوَى ... وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ

وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُشَارَ بِ (أُولَاءِ) إِلَى الْعَاقِلِ.

وَالْبَصَائِرُ: الْحُجَجُ الْمُفِيدَةُ لِلْبَصِيرَةِ، أَيِ الْعِلْمِ، فَكَأَنَّهَا نَفْسُ الْبَصِيرَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فِي آخر سُورَة الْأَعْرَافِ [٢٠٣] .

وَعَبَّرَ عَنِ اللَّهِ بِطَرِيقِ إِضَافَةِ وَصْفِ الرَّبِّ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تَذْكِيرًا بِأَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَ هَذِهِ الْخَوَارِقِ.

وَالْمَثْبُورُ: الَّذِي أَصَابَهُ الثُّبُورُ وَهُوَ الْهَلَاكُ. وَهَذَا نِذَارَةٌ وَتَهْدِيدٌ لِفِرْعَوْنَ بِقُرْبِ هَلَاكِهِ.

وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُوسَى ظَنًّا تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءٍ تَامٍّ أَفَادَهُ هَلَاكُ الْمُعَانِدِينَ لِلرُّسُلِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْرِ لَعَلَّ فِرْعَوْنَ يُقْلِعُ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ عِنْده احْتِمَالا ضَعِيفا، فَلِذَلِكَ جَعَلَ تَوَقُّعَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ ظَنًّا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّنُّ هُنَا مُسْتَعْمَلًا بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَفِي ذِكْرِ هَذَا مِنْ قِصَّةِ مُوسَى إِتْمَامٌ لِتَمْثِيلِ حَالِ مُعَانِدِي الرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِحَال من عَائِد رِسَالَةَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.