للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَاءَ فِي جَوَابِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِفِرْعَوْنَ بِمِثْلِ مَا شَافَهَهُ فِرْعَوْنُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ:

إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى مَسْحُوراً مُقَارَعَةً لَهُ وَإِظْهَارًا لِكَوْنِهِ لَا يَخَافُهُ وَأَنَّهُ يُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ الْمِثْلِ قَالَ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَة:

١٩٤] .

[١٠٣، ١٠٤]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ١٠٣ إِلَى ١٠٤]

فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)

أُكْمِلَتْ قِصَّةُ الْمَثَلِ بِمَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِتَمْثِيلِ الْحَالَيْنِ إِنْذَارًا لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ عَاقِبَةَ مَكْرِهِمْ وَكَيْدِهِمْ وَمُحَاوَلَاتِهِمْ صَائِرَةٌ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ مَكْرُ فِرْعَوْنَ وَكَيْدُهُ، فَفَرَّعَ عَلَى تَمْثِيلِ حَالَيِ الرِّسَالَتَيْنِ وَحَالَيِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمَا ذكر عَاقِبَة الْحَالة الممثل بهَا نذارة لِلْمُمَثَّلِينَ بِذَلِكَ الْمَصِيرِ.

فَقَدْ أَضْمَرَ الْمُشْرِكُونَ إِخْرَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ، فَمُثِّلَتْ إِرَادَتُهُمْ بِإِرَادَةِ فِرْعَوْنَ إِخْرَاجَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاء: ٧٦] .

وَالِاسْتِفْزَازُ: الِاسْتِخْفَافُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِبْعَادِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ فِي هَذِه السُّورَة [الْإِسْرَاء: ٧٦] .

وَالْمُرَادُ بِمَنْ مَعَهُ جُنْدُهُ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ يَتَّبِعُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَالْأَرْضُ الْأُولَى هِيَ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ أَرْضُ مِصْرَ، وَالْأَرْضُ الثَّانِيَةُ أَرْضُ الشَّامِ وَهِيَ الْمَعْهُودَةُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِوَعْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهَا.