للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْكَهْف (١٨) : الْآيَات ٨٣ إِلَى ٨٤]

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤)

افْتِتَاحُ هَذِهِ الْقِصَّة ب وَيَسْئَلُونَكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِمَّا نَزَلَتِ السُّورَةُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ كَمَا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِقِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ اقْتِضَابًا تَنْبِيهًا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٨٥] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ سَأَلُوا النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم ثَلَاثَةَ أَسْئِلَةٍ بِإِغْرَاءٍ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فِي يَثْرِبَ. فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَعَنِ الرُّوحِ، فَإِنْ أَجَابَ عَنْهَا كُلِّهَا فَلَيْسَ بِنَبِيءٍ» . وَإِنْ أَجَابَ عَنْ بَعْضِهَا وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْضٍ فَهُوَ نَبِيءٌ؟. وَبَيَّنَّا هُنَالِكَ وَجْهَ التَّعْجِيلِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ النَّازِلَةِ قَبْلَ سُورَةِ الْكَهْفِ بِالْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنِ الرُّوحِ وَتَأْخِيرِ الْجَوَابِ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ إِلَى سُورَةِ الْكَهْفِ.

وَأَعْقَبْنَا ذَلِكَ بِمَا رَأَيْنَاهُ فِي تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوَاقِعَ مُخْتَلِفَةٍ.

فَالسَّائِلُونَ: قُرَيْشٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ: خَبَرُ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْعَالَمِ عُرِفَ بِلَقَبِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، كَانَتْ أَخْبَارُ سِيرَتِهِ خَفِيَّةً مُجْمَلَةً مُغْلَقَةً، فَسَأَلُوا النَّبِيءَ عَنْ تَحْقِيقِهَا وَتَفْصِيلِهَا، وَأَذِنَ لَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ مِنْهَا مَا هُوَ مَوْضِعُ الْعِبْرَةِ للنَّاس فِي شؤون الصَّلَاحِ وَالْعَدْلِ، وَفِي عَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْخَلْقِ، فَكَانَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ مُنْفَرِدِينَ بِمَعْرِفَةٍ إِجْمَالِيَّةٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَكَانَتْ مِنْ أَسْرَارِهِمْ فَلِذَلِكَ جرّبوا بهَا نبوءة مُحَمَّد صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم.