للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْحُسْنى ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مُخْبِرٌ بِهِ خَبَرًا مُسْتَعْمَلًا فِي فَائِدَةِ الْخَبَرِ، عَلَى مَعْنَى. إِنَّا نُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، أَوْ مُسْتَعْمَلًا فِي لَازِمِ الْفَائِدَةِ تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ أَنِّي أَعْلَمُ جَزَاءَهُ عِنْدَكَ الْحُسْنَى.

وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً لِبَيَانِ حَظِّ الْمَلِكِ مِنْ جَزَائِهِ وَأَنَّهُ الْبشَارَة وَالثنَاء.

[٨٩، ٩٠]

[سُورَة الْكَهْف (١٨) : الْآيَات ٨٩ إِلَى ٩٠]

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠)

تَقَدَّمَ خِلَافُ الْقُرَّاء فِي فَأَتْبَعَ سَبَباً فَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا.

وَمَطْلِعُ الشَّمْسِ: جِهَةُ الْمَشْرِقِ مِنْ سُلْطَانِهِ وَمَمْلَكَتِهِ، بَلَغَ جِهَةً قَاصِيَةً مِنَ الشَّرْقِ حَيْثُ يُخَالُ أَنْ لَا عُمْرَانَ وَرَاءَهَا، فَالْمَطْلِعُ مَكَانُ الطُّلُوعِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَلَغَ سَاحِلَ بَحْرِ الْيَابَانِ فِي حُدُودِ مَنْشُورْيَا أَوْ كُورْيَا شَرْقًا، فَوَجَدَ قَوْمًا تَطَلُعُ عَلَيْهِمُ الشَّمْس لَا يسترهم مِنْ حَرِّهَا، أَيْ لَا جَبَلَ فِيهَا يَسْتَظِلُّونَ بِظِلِّهِ وَلَا شَجَرَ فِيهَا، فَهِيَ أَرْضٌ مَكْشُوفَةٌ لِلشَّمْسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عُرَاةً فَكَانُوا يَتَّقُونَ شُعَاعَ الشَّمْسِ فِي الْكُهُوفِ أَوْ فِي أَسْرَابٍ يَتَّخِذُونَهَا فِي التُّرَابِ. فَالْمُرَادُ بِالسِّتْرِ مَا يَسْتُرُ الْجَسَدَ.

وَكَانُوا قَدْ تَعَوَّدُوا مُلَاقَاةَ حَرِّ الشَّمْسِ، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يتعرضون للشمس ليدفعوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يُلَاقُونَهُ مِنَ الْقُرِّ لَيْلًا.