للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ خَاصٌّ بِأَجْيَالِ الْيَهُودِ الَّذِينَ اجْتَرَمُوا هَذِهِ الْجَرِيمَةَ الْعَظِيمَةَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ وَأَمَرَ بِهِ وَمَنْ سَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يَنْصُرِ الْأَنْبِيَاءَ.

وَقَدْ قَتَلَ الْيَهُودُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَشْعِيَاءَ بْنَ أَمْوَصَ الَّذِي كَانَ حَيًّا فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَّامِنِ قَبْلَ الْمَسِيحِ، قَتَلَهُ الْمَلِكُ مَنْسِيٌّ مَلِكُ الْيَهُودِ سَنَةَ ٧٠٠ قَبْلَ الْمَسِيحِ نُشِرَ نَشْرًا عَلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ.

وَأَرْمِيَاءَ النَّبِيءَ الَّذِي كَانَ حَيًّا فِي أَوَاسِطِ الْقَرْنِ السَّابِعِ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَكْثَرَ التَّوْبِيخَاتِ وَالنَّصَائِحَ لِلْيَهُودِ فَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَزَكَرِيَّاءَ الْأَخِيرَ أَبَا يَحْيَى قَتله هيرودس العبراني ملك الْيَهُود من قبل الرومان لِأَن زَكَرِيَّاء حاول تَخْلِيص ابْنَةِ يحيى من الْقَتْل وَذَلِكَ فِي مُدَّة نبوءة عِيسَى، وَيحيى بن زَكَرِيَّاء قَتله هيرودس لغضب ابْنة أُخْتِ هِيرُودُسَ عَلَى يَحْيَى.

وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْحَقِّ أَيْ بِدُونِ وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ فِي شَرِيعَتِهِمْ فَإِنَّ فِيهَا: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [الْمَائِدَة: ٣٢] فَهَذَا الْقَيْدُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْيَهُودِ بِأُصُولِ دِينِهِمْ لِتَخْلِيدِ مَذَمَّتِهِمْ، وَإِلَّا فَإِنَّ قَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَكُونُ بِحَقٍّ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا قَالَ (الْأَنْبِيَاءَ) لِأَنَّ الرُّسُلَ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ أَعْدَاؤُهُمْ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِحِكْمَةِ الرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ التَّبْلِيغُ قَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غَافِر: ٥١] وَقَالَ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَة: ٦٧] وَمن ثَمَّ كَانَ ادِّعَاءُ النَّصَارَى أَنَّ عِيسَى قَتَلَهُ الْيَهُودُ ادِّعَاءً مُنَافِيًا لِحِكْمَةِ الْإِرْسَالِ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَنْهَى مُدَّةَ رِسَالَتِهِ بِحُصُولِ الْمَقْصِدِ مِمَّا أُرْسِلَ إِلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ فِيهِ إِلَى نَفْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَوْلَى فَيَكُونُ تَكْرِيرًا لِلْإِشَارَةِ لِزِيَادَةِ تَمْيِيزِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ حِرْصًا عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَيَكُونُ الْعِصْيَانُ وَالِاعْتِدَاءُ سَبَبَيْنِ آخَرَيْنِ لِضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَلِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَالْآيَةُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ التَّكْرِيرِ وَهُوَ مُغْنٍ عَنِ الْعَطْفِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ [الْأَعْرَاف: ١٧٩] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ الثَّانِي هُوَ الْكُفْرَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلَهُمُ النَّبِيئِينَ فَيَكُونُ (ذَلِكَ) إِشَارَةً إِلَى سَبَبِ ضَرْبِ الذِّلَّةِ إِلَخْ فَمَا بَعْدَ كَلِمَةِ (ذَلِكَ) هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ إِدْمَانَ الْعَاصِي يُفْضِي إِلَى التَّغَلْغُلِ فِيهَا وَالتَّنَقُّلِ مِنْ أَصْغَرِهَا إِلَى أَكْبَرِهَا.

وَالْبَاءُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ سَبَبِيَّةٌ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا. وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَعْلِ إِحْدَى الْبَاءَيْنِ بِمَعْنَى