للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ كَذَلِكَ الْحَالُ مِنْ كِبَرِكَ وَعُقْرِ امْرَأَتِكَ قَدَّرَ رَبُّكَ، فَفِعْلُ قالَ رَبُّكَ مُرَادٌ بِهِ الْقَوْلُ التَّكْوِينِيُّ، أَيِ التَّقْدِيرِيُّ، أَيْ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَقْرِيرِهِ التَّمْهِيدُ لِإِبْطَالِ التَّعَجُّبِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيَّ هَيِّنٌ، فَجُمْلَةُ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابا لسؤال ناشىء عَنْ قَوْلِهِ كَذلِكَ لِأَنْ تَقْرِيرَ مَنْشَأِ التَّعَجُّبِ يُثِيرُ تَرَقُّبَ السَّامِعِ أَنْ يَعْرِفَ مَا يُبْطِلُ ذَلِكَ التَّعَجُّبَ الْمُقَرَّرَ، وَذَلِكَ كَوْنُهُ هَيِّنًا فِي جَانِبِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله كَذلِكَ هُوَ الْقَوْلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ قالَ رَبُّكَ، أَيْ أَنَّ قَوْلَ رَبِّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ بَلَغَ غَايَةَ الْوُضُوحِ فِي بَابِهِ بِحَيْثُ لَا يَبِينُ بِأَكْثَرِ مَا عَلِمْتَ، فَيَكُونَ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٣] . وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَجُمْلَةُ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ تَعْلِيلٌ لِإِبْطَالِ التَّعَجُّبِ إِبْطَالًا مُسْتَفَادًا مِنْ قَوْلِهِ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ، وَيَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ

قالَ رَبُّكَ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ الْتِفَاتًا. وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ: هُوَ عَلَيْهِ هَيِّنٌ.

وَالْهَيِّنُ- بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ-: السَّهْلُ حُصُولُهُ.

وَجُمْلَةُ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ هِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، أَيْ إِيجَادُ الْغُلَامِ لَكَ هَيِّنٌ عَلَيَّ فِي حَالِ كَوْنِي قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْغُلَامِ وَلَمْ تَكُنْ مَوْجُودًا، أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُمَاثِلًا لِخَلْقِي إِيَّاكَ، فَكَمَا لَا عَجَبَ مِنْ خَلْقِ الْوَلَدِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَأْلُوفَةِ كَذَلِكَ لَا عَجَبَ مِنْ خَلْقِ الْوَلَدِ فِي الْأَحْوَالِ النَّادِرَةِ إِذْ هُمَا إِيجَادٌ بَعْدَ عَدَمٍ.

وَمَعْنَى وَلَمْ تَكُ شَيْئاً: لَمْ تَكُنْ مَوْجُودًا.