للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٦] عِنْدَ قَوْلِهِ: إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ

إِنَّمَا كَانَ عَنْ وَحْيٍ مِنَ اللَّهِ لِيُبَلِّغَ قَوْمَهُ إِبْطَالَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُور نَبِيًّا بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ يَاءً لِثِقَلِهَا وَلِمُنَاسَبَةِ الْكَسْرَةِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَحْدَهُ (نَبِيئًا) بِهَمْزَةٍ آخِرَهُ، وَبِذَلِكَ تَصِيرُ الْفَاصِلَةُ الْقُرْآنِيَّةُ عَلَى حَرْفِ الْأَلِفِ، وَمِثْلُ تِلْكَ الْفَاصِلَةِ كَثِيرٌ فِي فَوَاصِلِ الْقُرْآنِ.

وَقَوْلُهُ: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ

إِلَخْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ من (إِبْرَاهِيم) . و (إِذْ) اسْمُ زَمَانٍ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّ (إِذْ) ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَالْمَعْنَى: اذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ زَمَانَ قَوْلِهِ لِأَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَجْدَرُ أَوْقَاتِ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يُذْكَرَ.

وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ هُوَ (آزَارُ) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

وَافْتَتَحَ إِبْرَاهِيمُ خِطَابَهُ أَبَاهُ بِنِدَائِهِ مَعَ أَنَّ الْحَضْرَةَ مُغْنِيَةٌ عَنِ النِّدَاءِ قَصْدًا لِإِحْضَارِ سَمْعِهِ وَذِهْنِهِ لِتَلَقِّي مَا سَيُلْقِيهِ إِلَيْهِ.

قَالَ الْجَدُّ الْوَزِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا أَمْلَاهُ عَلَيَّ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ عَامِ ١٣١٨ هـ فَقَالَ:

«عَلِمَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ فِي طَبْعِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ تَحْقِيرَهُمْ لِلصَّغِيرِ كَيْفَمَا بَلَغَ حَالُهُ فِي الْحِذْقِ وَبِخَاصَّةٍ الْآبَاءُ مَعَ أَبْنَائِهِمْ، فَتَوَجَّهَ إِلَى أَبِيهِ بِخِطَابِهِ بِوَصْفِ الْأُبُوَّةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ لَهُ النَّصِيحَةَ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ حُجَّةَ فَسَادِ عِبَادَته فِي صُورَة الِاسْتِفْهَامُ عَنْ سَبَبِ عِبَادَتِهِ وَعَمَلِهِ الْمُخْطِئِ، مُنَبِّهًا على خطئه عِنْد مَا يَتَأَمَّلُ فِي عَمَلِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَ ذَلِكَ وَحَاوَلَ بَيَانَ سَبَبِ

عِبَادَةِ أَصْنَامِهِ لَمْ يَجِدْ لِنَفْسِهِ مَقَالًا فَفَطِنَ بِخَطَلِ رَأْيِهِ