للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ نُودِيَ. وَبِهَذَا النِّدَاءِ عَلِمَ مُوسَى أَنَّ الْكَلَامَ مُوَجَّهٌ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ كَلَامٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ الْعَوَائِدَ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْأَكْوَانِ إِلَّا لِإِرَادَةِ الْإِعْلَامِ بِأَنَّ لَهُ عِنَايَةٌ خَاصَّةٌ بِالْمُغَيَّرِ، فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَصْوَاتًا خَلْقًا غَيْرَ

مُعْتَادٍ غَيْرَ صَادِرَةٍ عَنْ شَخْصٍ مُشَاهَدٍ، وَلَا مُوَجَّهَةٍ لَهُ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ يَتَوَلَّى هُوَ تَبْلِيغَ الْكَلَامِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ إِلَيْهِ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاء: ١٦٤] ، إِذْ عَلِمَ مُوسَى أَنَّ تِلْكَ الْأَصْوَاتِ دَالَّةٌ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَصْوَاتُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَةِ هُوَ مَا نُسَمِّيهِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ هُوَ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى لِأَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَالتَّعَلُّقِ بِالْأَسْمَاعِ.

وَالْإِخْبَارُ عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّهُ رَبُّ الْمُخَاطَبِ لِتَسْكِينِ رَوْعَةِ نَفْسِهِ مِنْ خِطَابٍ لَا يُرَى مُخَاطِبُهُ فَإِنَّ شَأْنَ الرَّبِّ الرِّفْقُ بِالْمَرْبُوبِ.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِهِ لِأَجْلِ غَرَابَتِهِ دَفْعًا لِتَطَرُّقِ الشَّكِّ عَنْ مُوسَى فِي مَصْدَرِ هَذَا الْكَلَامِ.

وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ «أَنِّيَ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى حَذْفِ بَاءِ الْجَرِّ. وَالتَّقْدِيرُ: نُودِيَ بَأَنِيَ أَنَا رَبِّكَ. وَالتَّأْكِيدُ حَاصِلٌ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ.

وَتَفْرِيعُ الْأَمْرِ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ رَبُّهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَدْ حَلَّهُ التَّقْدِيسُ بِإِيجَادِ كَلَامٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِيهِ.

وَالْخَلْعُ: فَصَلُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ.