للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَمْرُ هُنَا: الشَّأْنُ، وَإِضَافَةُ (أَمْرِ) إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ لِإِفَادَةِ مَزِيدِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ وَهُوَ أَمْرُ الرِّسَالَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.

وَالتَّيْسِيرُ: جَعْلُ الشَّيْءِ يَسِيرًا، أَيْ ذَا يُسْرٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ فِي سُورَة الْبَقَرَةِ [١٨٥] .

ثُمَّ سَأَلَ سَلَامَةَ آلَةِ التَّبْلِيغِ وَهُوَ اللِّسَانُ بِأَنْ يَرْزُقَهُ فَصَاحَةَ التَّعْبِيرِ وَالْمَقْدِرَةَ عَلَى أَدَاءِ مُرَادِهِ بِأَوْضَحِ عِبَارَةً، فَشَبَّهَ حُبْسَةَ اللِّسَانِ بِالْعُقْدَةِ فِي الْحَبْلِ أَوِ الْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهَا تَمْنَعُ سُرْعَةَ اسْتِعْمَالِهِ.

وَالْعُقْدَةُ: مَوْضِعُ رَبْطِ بَعْضِ الْخَيْطِ أَوِ الْحَبْلِ بِبَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ، وَهِيَ بِزِنَةِ فُعْلَةٍ بِمَعْنى مفعول كقضة وَغَرْفَةٍ أُطْلِقَتْ عَلَى عُسْرِ النُّطْقِ بِالْكَلَامِ أَوْ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِ اللِّسَانِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكَلِمَةِ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا حُبْسَةٌ.

يُقَالُ: عَقِدَ اللِّسَانُ كَفَرِحَ، فَهُوَ أَعْقَدُ إِذَا كَانَ لَا يُبِينُ الْكَلَامَ. وَاسْتَعَارَ لِإِزَالَتِهَا فِعْلَ الْحِلِّ الْمُنَاسِبِ الْعُقْدَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ.

وَزِيَادَةُ لِي بَعْدَ اشْرَحْ وَبَعْدَ يَسِّرْ إِطْنَابٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» لِأَنَّ الْكَلَامَ مُفِيدٌ بِدُونِهِ. وَلَكِنْ سُلِكَ الْإِطْنَابُ لِمَا تُفِيدُهُ اللَّامُ مِنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ، أَيِ اشْرَحْ صَدْرِي لِأَجْلِي وَيَسِّرْ أَمْرِي لِأَجْلِي، وَهِيَ اللَّامُ الْمُلَقَّبَةُ لَامَ التَّبْيِينِ الَّتِي تُفِيدُ تَقْوِيَةَ الْبَيَانِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ صَدْرِي وأَمْرِي وَاضِحٌ أَنَّ الشَّرْحَ وَالتَّيْسِيرَ مُتَعَلِّقَانِ بِهِ فَكَانَ قَوْله لِي فيهمَا زِيَادَةَ بَيَانٍ كَقَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: ١] وَهُوَ هُنَا ضَرْبٌ مِنَ الْإِلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا تَقْدِيمُ هَذَا الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ فَلِيَحْصُلَ الْإِجْمَالُ ثُمَّ التَّفْصِيلُ فَيُفِيدُ مَفَادَ التَّأْكِيدِ مِنْ أَجْلِ تَكَرُّرِ الْإِسْنَادِ.