للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ تَبَرُّؤٌ وَتَنَزُّهٌ عَنِ الْهُزْءِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْعُقَلَاءِ الْأَفَاضِلِ فَإِنَّهُ أَخَصُّ مِنَ الْمَزْحِ لِأَن فِي الهزؤ مَزْحًا مَعَ استخفاف واحتقار للمزوح مَعَهُ عَلَى أَنَّ الْمَزْحَ لَا يَلِيقُ فِي الْمَجَامِعِ الْعَامَّةِ وَالْخَطَابَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمَقَامِ الرَّسُولِ وَلِذَا تَبَرَّأَ مِنْهُ مُوسَى بِأَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ كِنَايَةً عَنْ نَفْيِ الْمَزْحِ بِنَفْيِ مَلْزُومِهِ، وَبَالَغَ فِي التَّنَزُّهِ بِقَوْلِهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَيْ مِنْهُ لِأَنَّ الْعِيَاذَ بِاللَّهِ أَبْلَغُ كَلِمَاتِ النَّفْيِ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يَعُوذُ بِاللَّهِ إِلَّا إِذَا أَرَادَ التَّغَلُّبَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ لَا يَغْلِبُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَصِيغَةُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ أَبْلَغُ فِي انْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَجْهَلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٦] عِنْدَ قَوْلِهِ: وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.

وَالْجَهْلُ ضِدُّ الْعِلْمِ وَضِدُّ الْحِلْمِ وَقَدْ وَرَدَ لَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا

وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُ الْحَمَاسِيِّ:

فَلَيْسَ سَوَاءٌ عَالِمٌ وَجَهُولُ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:

وَلَيْسَ جَاهِلُ شَيْءٍ مِثْلَ من علما

[٦٨]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٦٨]

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨)

جِيءَ فِي مُرَاجَعَتِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ بِالطَّرِيقَةِ الْمَأْلُوفَةِ فِي حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ حَذْفِ الْعَاطِفِ بَيْنَ أَفْعَالِ الْقَوْلِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا لَكُمْ فِي قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ.

وَمَعْنَى ادْعُ لَنا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ الدُّعَاءُ الَّذِي هُوَ طَلَبٌ بِخُضُوعٍ وَحِرْصٍ عَلَى إِجَابَةِ الْمَطْلُوبِ فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ رَغْبَتُهُمْ فِي حُصُولِ الْبَيَانِ لِتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ الْمَرْجُوَّةِ مِنْ ذَبْحِ بَقَرَةٍ مُسْتَوْفِيَةٍ لِلصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْقَرَابِينِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَقَاصِدِ، بَنَوْهُ عَلَى مَا أَلْفَوْهُ مِنَ الْأُمَمِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنَ اشْتِرَاطِ صِفَاتٍ وَشُرُوطٍ فِي الْقَرَابِينِ الْمُقَرِّبَةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مُطْلَقَ السُّؤَالِ فَعَبَّرُوا عَنْهُ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ طَلَبٌ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مِنَ الدُّعَاءِ النِّدَاءَ الْجَهِيرَ بِنَاءً عَلَى وَهْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ بِعِيدُ الْمَكَانِ، فَسَائِلُهُ يَجْهَرُ بِصَوْتِهِ، وَقَدْ نُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنِ الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَنا لَامُ الْأَجَلِ أَيِ ادْعُُُ