للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِاقْتِصَارُ عَلَى طَلَبِ إِطْلَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى أُرْسِلَ لِإِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَكْوِينِ أُمَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِأَنْ يَبُثَّ فِيهِمُ الشَّرِيعَةَ الْمُصْلِحَةَ لَهُمْ وَالْمُقِيمَةَ لِاسْتِقْلَالِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ، وَلَمْ يُرْسَلْ لِخِطَابِ الْقِبْطِ بِالشَّرِيعَةِ وَمَعَ ذَلِكَ دَعَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِ.

وَأَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى إِجَابَتِهِ طَلَبَ إِطْلَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَهَذَا يُؤْخَذُ مِمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ وَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ النَّازِعَاتِ وَالْآيَاتِ الْأُخْرَى.

وَالسَّلَامُ: السَّلَامَةُ وَالْإِكْرَامُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّحِيَّةُ، إِذْ لَيْسَ ثَمَّ مُعَيَّنٌ يُقْصَدُ بِالتَّحِيَّةَ. وَلَا يُرَادُ تَحِيَّةُ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ الْمُوَاجَهَةِ لَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَهَذَا

كَقَوْلِ النَّبِيءِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ»

. وَ (عَلَى) لِلتَّمَكُّنِ، أَيْ سَلَامَةُ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ثَابِتَةٌ لَهُمْ دُونَ رَيْبٍ. وَهَذَا احْتِرَاسٌ وَمُقَدِّمَةٌ لِلْإِنْذَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، فَقَوْلُهُ: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [طه: ٤٧] تَعْرِيضٌ بِأَنْ يَطْلُبَ فِرْعَوْنُ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَقَوْلُهُ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا تَعْرِيضٌ لِإِنْذَارِهِ عَلَى التَّكْذِيبِ قَبْلَ حُصُوله مِنْهُ ليبلغ

الرِّسَالَةِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ قَبْلَ ظُهُورِ رَأْيِ فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يُجَابِهَهُ بَعْدَ ظُهُورِ رَأْيِهِ بِتَصْرِيحِ تَوْجِيهِ الْإِنْذَارِ إِلَيْهِ. وَهَذَا من أُسْلُوبُ الْقَوْلِ اللَّيِّنِ الَّذِي أَمَرَهُمَا اللَّهُ بِهِ.

وَتَعْرِيفُ الْعَذَابِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، فَالْمُعَرَّفُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ عَذَابًا عَلَى مَنْ كَذَّبَ.