للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالصُّحُفُ: جَمْعُ صَحِيفَةٍ. وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ وَرَقٍ أَوْ كَاغَدٍ أَوْ خِرْقَةٍ يُكْتَبُ فِيهَا. وَلَمَّا كَانَ الْكِتَابُ مَجْمُوعَ صُحُفٍ أُطْلِقَ الصُّحُفُ عَلَى الْكُتُبِ.

وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الصُّحُفِ هُنَا عَلَى الْكُتُبِ أَنَّ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ مِنَ الْكُتُبِ عِلْمًا، وَأَنَّ جَمِيعَهُ حَوَاهُ الْقُرْآنُ، فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةً وَدَلِيلًا.

وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ هِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابُهُ الْقُرْآنُ، لِأَنَّ الرَّسُولَ مَوْعُودٌ بِهِ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ، وَلِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ تَصْدِيقًا لِمَا فِي تِلْكَ الْكُتُبِ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنَ الْمَوَاعِظِ وَأُصُولِ التَّشْرِيعِ. وَقَدْ جَاءَ بِهِ رَسُولٌ أُمِّيٌّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا نَشَأْ فِي قَوْمٍ أَهْلِ عِلْمٍ وَمُزَاوَلَةٍ لِلتَّارِيخِ مَعَ مَجِيئِهِ بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ مِنْ أَخْبَارِهِمُ الَّتِي لَمْ يَسْتَطِعْ أَهْلُ الْكِتَابِ إِنْكَارَهَا، قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: ١٤٦] ، وَكَانُوا لَا يُحَقِّقُونَ كَثِيرًا مِنْهَا بِمَا طَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّفَرُّقِ وَتَلَاشِي أُصُولِ كُتُبِهِمْ وَإِعَادَةِ كِتَابَةِ كَثِيرٍ مِنْهَا بِالْمَعْنَى عَلَى حَسَبِ تَأْوِيلَاتٍ سَقِيمَةٍ.

وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَمَا حَوَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الصِّدْقِ وَالرَّشَادِ، وَمَا امْتَازَ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْكُتُبِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ الْبَالِغَتَيْنِ حَدَّ الْإِعْجَازِ، وَهُوَ مَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْعَرَبِ مُبَاشَرَةً وَعَلَى غَيْرِهِمُ اسْتِدْلَالًا. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً [الْبَيِّنَة: ١- ٢] .

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَحَفَصٌ، وَابْنُ جَمَّازٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ تَأْتِهِمْ- بِتَاءِ الْمُضَارِعِ لِلْمُؤَنَّثِ-.

وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِتَحْتِيَّةِ الْمُذَكَّرِ لِأَنَّ تَأْنِيثَ بَيِّنَةُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَأَصْلُ الْإِسْنَادِ التَّذْكِيرُ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ لَيْسَ عَلَامَةً وَلَكِنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَلَام.