للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَجْرُورِ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِأَنَّ الِاقْتِرَابَ لِلنَّاسِ لِيَعْلَمَ السَّامِعُ أَنَّ الْمُرَادَ تَهْدِيدُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُكَنَّى عَنْهُمْ بِالنَّاسِ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ التَّقْدِيمِ احْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ فَصَارَ مِثْلَ: اقْتَرَبَ حِسَابٌ لِلنَّاسِ الْحِسَابِ، وَحُذِفَ الْمُضَافُ لِدَلَالَةِ مُفَسِّرِهِ عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ الْحِسَابُ حِسَابَ النَّاسِ الْمَذْكُورِينَ جِيءَ بِضَمِيرِ النَّاسِ لِيَعُودَ إِلَى لَفْظِ النَّاسِ فَيَحْصُلَ تَأْكِيدٌ آخَرُ وَهَذَا نَمَطٌ بَدِيعٌ مِنْ نَسْجِ الْكَلَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ بِمَعْنَى (مِنْ) أَوْ بِمَعْنَى (إِلَى) مُتَعَلِّقَةٌ بِ اقْتَرَبَ فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ ظَرْفًا

لَغْوًا، وَعَنِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَثَّلَ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِمْ: «تَقَرَّبْتُ مِنْكَ» .

وَجُمْلَةُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ حَالٌ مِنَ النَّاسِ، أَيِ اقْتَرَبَ مِنْهُمُ الْحِسَابُ فِي حَالِ غَفْلَتِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.

وَالْغَفْلَةُ: الذُّهُولُ عَنِ الشَّيْءِ وَعَنْ طُرُقِ عِلْمِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ فِي سُورَةِ [الْأَنْعَامِ: ١٥٦] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ فِي [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: ١٤٦] .

وَالْإِعْرَاضُ: صَرْفُ الْعَقْلِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالشَّيْءِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي سُورَةِ [النِّسَاءِ: ٦٣] ، وَقَوْلِهِ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فِي سُورَةِ [الْأَنْعَامِ: ٦٨] .

وَدَلَّتْ (فِي) عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الَّتِي هِيَ شِدَّةُ تَمَكُّنِ الْوَصْفِ مِنْهُمْ، أَيْ وَهُمْ غَافِلُونَ أَشَدَّ الْغَفْلَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ مُنْغَمِسُونَ فِيهَا أَوْ مَظْرُوفُونَ فِي مُحِيطِهَا، ذَلِكَ أَنَّ غَفْلَتَهُمْ عَنْ يَوْمِ الْحِسَابِ مُتَأَصِّلَةٌ فِيهِمْ بِسَبَبِ سَابِقِ كُفْرِهِمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ غَافِلُونَ عَنِ الْحِسَابِ وَعَنِ اقْتِرَابِهِ.

وَإِعْرَاضُهُمْ هُوَ إِبَايَتُهُمُ التَّأَمُّلَ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ الَّتِي تُذَكِّرُهُمْ بِالْبَعْثِ وَتَسْتَدِلُّ لَهُمْ عَلَيْهِ، فَمُتَعَلِّقُ الْإِعْرَاضِ غَيْرُ مُتَعَلِّقِ الْغَفْلَةِ لِأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنِ الشَّيْءِ