للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَجْهُ اخْتِيَارِ لَفْظِ قَرْيَةٍ هَنَا نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الْأَنْبِيَاء: ٦] .

وَحَرْفُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى مَا فِيهِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَهِيَ هُنَا تَمْيِيزٌ لِإِبْهَامِ (كَمْ) .

وَالْقَصْمُ: الْكَسْرُ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يُرْجَى بَعْدَهُ الْتِئَامٌ وَلَا انْتِفَاع. واستعير للاستيصال وَالْإِهْلَاكِ الْقَوِيِّ كَإِهْلَاكِ عَادٍ وَثَمُودَ وَسَبَأٍ.

وَجُمْلَةُ وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ وَجُمْلَةِ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِلَخْ. فَجُمْلَةُ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ.

وَضَمِيرُ مِنْها عَائِدٌ إِلَى قَرْيَةٍ.

وَالْإِحْسَاسُ: الْإِدْرَاكُ بِالْحِسِّ فَيَكُونُ بِرُؤْيَةِ مَا يُزْعِجُهُمْ أَوْ سَمَاعِ أَصْوَاتٍ مُؤْذِنَةٍ بِالْهَلَاكِ كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيَاحِ.

وَالْبَأْسُ: شِدَّةُ الْأَلَمِ وَالْعَذَابِ. وَحَرْفُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْها يَرْكُضُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ خَارِجِينَ مِنْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ بِتَأْوِيلِ (يَرْكُضُونَ) مَعْنَى (يَهْرُبُونَ) ، أَيْ مِنَ الْبَأْسِ الَّذِي أَحَسُّوا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ مِنْ بَأْسِنَا الَّذِي أَحَسُّوهُ فِي الْقَرْيَةِ. وَذَلِكَ بِحُصُولِ أَشْرَاطِ إِنْذَارٍ مِثْلَ الزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ.

وَالرَّكْضُ: سُرْعَةُ سَيْرِ الْفَرَسِ، وَأَصْلُهُ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ فَيُسَمَّى بِهِ الْعَدْوُ، لِأَنَّ الْعَدْوَ يَقْتَضِي قُوَّةَ الضَّرْبِ بِالرِّجِلِ وَأُطْلِقَ الرَّكْضُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى سُرْعَةِ سَيْرِ النَّاسِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ تَشْبِيهًا لِسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ بِرَكْضِ الْأَفْرَاسِ.