للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَحَسْبُكَ تَعْقِيبُ ذَلِكَ بِالتَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ الْآيَاتُ خِتَامُ سُورَةِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٠- ١٩١] .

وَلِأَجْلِ هَذَا اطَّرَدَ أَوْ كَادَ أَنْ يَطَّرِدَ ذِكْرُ لَفْظِ وَما بَيْنَهُما بَعْدَ ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ مَا بَيْنَهُمَا بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّ أشرفه هُوَ نَوْعُ الْإِنْسَانِ الْمَقْصُودِ بِالْعِبْرَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ. فَلَيْسَ بِنَاءَ الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ لَعِبًا مَنْظُورًا فِيهِ إِلَى رَدِّ اعْتِقَادِ مُعْتَقَدِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى النَّفْيِ أَخْذًا لَهُمْ بِلَازِمِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ دَقَائِقِ حِكْمَةِ اللَّهِ بِحَيْثُ كَانُوا كَقَائِلِينَ بِكَوْنِ هَذَا الصُّنْعِ لَعِبًا.

وَاللَّعِبُ: الْعَمَلُ أَوِ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ فَائِدَةٍ مِنْ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ وَلَا تَحْصِيلُ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ. وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ إِرْضَاءُ النَّفْسِ حِينَ تَمِيلُ إِلَى الْعَبَثِ كَمَا قِيلَ:

«لَا بُدَّ لِلْعَاقِلِ مِنْ حَمْقَةٍ يَعِيشُ بِهَا» . وَيُرَادِفُهُ الْعَبَثُ وَاللَّهْوُ، وَضِدُّهُ: الْجِدُّ. وَاللَّعِبُ مِنَ الْبَاطِلِ إِذْ لَيْسَ فِي عَمَلِهِ حِكْمَةٌ فَضِدُّهُ الْحَقُّ أَيْضًا.

وَانْتَصَبَ لاعِبِينَ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ خَلَقْنَا وَهِيَ حَالٌ لَازِمَةٌ إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى بِدُونِهَا.

وَجُمْلَةُ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنَى جُمْلَةِ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ تَقْرِيرًا بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، وَتَعْلِيلًا لِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَعِبًا، أَيْ عَبَثًا بِأَنَّ اللَّعِبَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِنَا أَوْ عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّنَازُلِ لَوْ أَرَدْنَا اللَّهْوَ