للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ جَاءَ بِكَلَامٍ يُفِيدُ ظَنَّهُ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ صَحِيحًا مِنَ الْأَصْنَامِ إِلَّا الْكَبِيرُ. وَفِي تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرُهُمْ هَذَا الَّذِي حَطَّمَهُمْ إِخْطَارُ دَلِيلِ انْتِفَاءِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ لِأَنَّهُ أَوْهَمَهُمْ أَنَّ كَبِيرَهُمْ غَضِبَ مِنْ مُشَارَكَةِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ لَهُ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ، وَذَلِكَ تَدَرُّجٌ إِلَى دَلِيلِ الْوَحْدَانِيَّةِ، فَإِبْرَاهِيمُ فِي إِنْكَارِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَاعِلَ أَرَادَ إِلْزَامَهُمُ الْحُجَّةَ عَلَى انْتِفَاءِ أُلُوهِيَّةِ الصَّنَمِ الْعَظِيمِ، وَانْتِفَاءِ أُلُوهِيَّةِ الْأَصْنَامِ الْمُحَطَّمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى نِيَّة أَن يكر عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ

بِالْإِبْطَالِ وَيُوقِنَهُمْ بِأَنَّهُ الَّذِي حَطَّمَ الْأَصْنَامَ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ آلِهَةً لَدَفَعَتْ عَنْ أَنْفُسِهَا وَلَوْ كَانَ كَبِيرُهُمْ كَبِيرَ الْآلِهَةِ لَدَفَعَ عَنْ حَاشِيَتِهِ وُحَرَفَائِهِ، وَلذَلِك قَالَ فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ تَهَكُّمًا بِهِمْ وَتَعْرِيضًا بِأَنَّ مَا لَا يَنْطِقُ وَلَا يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْإِلَهِيَّةِ.

وَشَمل ضمير فَسْئَلُوهُمْ جَمِيعَ الْأَصْنَامِ مَا تَحَطَّمَ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ قَائِمًا. وَالْقَوْمُ وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ الْأَصْنَامَ لَمْ تَكُنْ تَتَكَلَّمُ مِنْ قَبْلُ إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَرَادَ أَنْ يُقْنِعَهُمْ بِأَنَّ حَدَثًا عَظِيمًا مِثْلَ هَذَا يُوجِبُ أَنْ يَنْطِقُوا بِتَعْيِينِ مَنْ فَعَلَهُ بِهِمْ. وَهَذَا نَظِيرُ اسْتِدْلَالِ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْرِقُ عَادَةً لِتَصْدِيقِ الْكَاذِبِ، فَخَلْقُهُ خَارِقَ الْعَادَةِ عِنْدَ تَحَدِّي الرَّسُولِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ تَصْدِيقَهُ.

وَأَمَّا مَا

رُوِيَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُ فِي ذَات الله- عَزَّ وَجَلَّ- قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩] وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا. وَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ:

إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي. فَأَتَى سَارَةَ فَقَالَ: يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي

... » وَسَاقَ الْحَدِيثَ.