للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً تَذْيِيلٌ لِلِاحْتِرَاسِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَن حكم دَاوُود كَانَ خَطَأً أَوْ جَوْرًا وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ سُلَيْمَانَ أَصْوَبَ.

وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة دَاوُود عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً فِي [سُورَةِ النِّسَاءِ: ١٦٣] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ٨٤] .

وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ١٠٢] .

وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ هَذِهِ مَزِيَّةٌ اختصّ بهَا دَاوُود وَهِي تَسْخِيرُ الْجِبَالِ لَهُ وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَتْهُ جُمْلَةُ يُسَبِّحْنَ فَهِيَ إِمَّا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ سَخَّرْنا أَوْ حَالٌ مُبَيِّنَةٌ. وَذِكْرُهَا هُنَا اسْتِطْرَادٌ وَإِدْمَاجٌ.

وَالطَّيْرَ عَطْفٌ عَلَى الْجِبالَ أَوْ مَفْعُولٌ مَعَهُ، أَيْ مَعَ الطَّيْرِ يَعْنِي طَيْرَ الْجِبَالِ.

ومَعَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ يُسَبِّحْنَ، وَقُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لإِظْهَار كَرَامَة دَاوُود، فَيَكُونُ الْمَعْنى: أَن دَاوُود كَانَ إِذَا سَبَّحَ بَيْنَ الْجِبَالِ سَمِعَ الْجِبَالَ تُسَبِّحُ مِثْلَ تَسْبِيحِهِ. وَهَذَا مَعْنَى التَّأْوِيبِ فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ: ١٠] إِذِ التَّأْوِيبُ التَّرْجِيعُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَوْبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ. وَكَذَلِكَ الطَّيْرُ إِذَا سَمِعَتْ تَسْبِيحَهُ تُغَرِّدُ تَغْرِيدًا مِثْلَ تَسْبِيحِهِ وَتِلْكَ كُلُّهَا مُعْجِزَةٌ لَهُ. وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّسْخِيرُ حَاصِلًا لَهُ بَعْدَ أَنْ أُوتِيَ النُّبُوءَةَ كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ تَعْدَادِهِ فِي