للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: الْمَهْرُ الْمُسَمَّى، أَيِ الْمُعَيَّنُ مِنْ نَقْدٍ مَعْدُودٍ أَوْ عَرَضٍ مَوْصُوفٍ، وَقَوْلُ الْمُوَثِّقِينَ: وَسَمَّى لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ كَذَا وَكَذَا.

وَلِكُلِّ مَوْلُودٍ مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ عِنْدَ اللَّهِ لِبَقَائِهِ فِي رَحِمِ أُمِّهِ قَبْلَ وَضْعِهِ. وَالْأَكْثَرُ اسْتِكْمَالُ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَضْعُ أَسْرَعَ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِعَارِضٍ، وَكُلٌّ مُعَيَّنٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ٢٨٢] .

وَعَطَفَ جُمْلَةَ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا بِحَرْفِ (ثُمَّ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ فَإِنَّ إِخْرَاجَ الْجَنِينِ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَوْلُهُ طِفْلًا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ نُخْرِجُكُمْ، أَيْ حَالَ كَوْنِكُمْ أَطْفَالًا. وَإِنَّمَا أَفْرَدَ طِفْلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْجِنْسُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ.

وَجُمْلَةُ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ مُرْتَبِطَةٌ بِجُمْلَةِ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ارْتِبَاطَ الْعِلَّةِ بِالْمَعْلُولِ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَالْمُعَلَّلُ فِعْلُ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا.

وَإِذ قَدْ كَانَتْ بَيْنَ حَال الطِّفْلِ وَحَالِ بُلُوغِ الْأَشُدِّ أَطْوَارٌ كَثِيرَةٌ عُلِمَ أَنَّ بُلُوغَ الْأَشُدِّ هُوَ الْعِلَّةُ الْكَامِلَةُ لِحِكْمَةِ إِخْرَاجِ الطِّفْلِ. وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى مَا قَبْلَ بُلُوغِ الْأَشُدِّ وَمَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ.

وَحَرْفُ (ثُمَّ) فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ تَأْكِيدٌ لِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي اتِّصَالِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَلِلْمُفَسِّرِينَ تَوْجِيهَاتٌ غَيْرُ سَالِمَةٍ مِنَ التَّعَقُّبِ ذَكَرَهَا الْأُلُوسِيُّ.

وَإِنَّمَا جُعِلَ بُلُوغُ الْأَشُدِّ عِلَّةً لِأَنَّهُ أَقْوَى أَطْوَارِ الْإِنْسَانِ وَأَجْلَى مَظَاهِرِ مَوَاهِبِهِ فِي الْجِسْمِ وَالْعَقْلِ وَهُوَ الْجَانِبُ الْأَهَمُّ كَمَا أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً فَجَعَلَ «الْأَشُدَّ» كَأَنَّهُ الْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ تَطْوِيرِهِ.