للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ أَتَمُّ شَبَهًا بِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ فِي أَنَّهُمْ كَذَّبُوا رسولهم وآذوه. وألجئوه إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَوْطِنِهِ وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: ٩٩] . فَكَانَ ذِكْرُ إِلْجَاءِ قُرَيْشٍ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَوْطِنِهِمْ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الْحَج: ٤٠] مُنَاسَبَةً لِذِكْرِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ.

وَالْإِمْلَاءُ: تَرْكُ الْمُتَلَبِّسِ بِالْعِصْيَانِ دُونَ تَعْجِيلِ عُقُوبَتِهِ وَتَأْخِيرِهَا إِلَى وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ حَتَّى يَحْسَبَ أَنَّهُ قَدْ نَجَا ثُمَّ يُؤْخَذَ بِالْعُقُوبَةِ.

وَالْفَاءُ فِي فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ لِلتَّعْقِيبِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَ هَلَاكِهِمْ حَاصِل من وَقْتِ تَكْذِيبِهِمْ وَإِنَّمَا أُخِّرَ لَهُمْ، وَهُوَ تَعْقِيبٌ مُوَزَّعٌ، فَلِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ هَؤُلَاءِ تَعْقِيبُ إِمْلَائِهِ، وَالْأَخْذُ حَاصِلٌ بَعْدَ الْإِمْلَاءِ بِمُهْلَةٍ، فَلِذَلِكَ عُطِفَ فِعْلُهُ بِحَرْفِ الْمُهْلَةِ.

وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ حَقَّ ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامِ أَنْ يَحْصُلَ عِنْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الْأَخْذِ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَعْجِيبِيٌّ، أَيْ فَاعْجَبْ مِنْ نَكِيرِي كَيْفَ حَصَلَ. وَوَجْهُ التَّعْجِيبِ مِنْهُ أَنَّهُمْ أُبْدِلُوا بِالنِّعْمَةِ مِحْنَةً، وَبِالْحَيَاةِ هَلَاكًا، وَبِالْعِمَارَةِ خَرَابًا فَهُوَ عِبْرَةٌ لِغَيْرِهِمْ.

وَالنَّكِيرُ: الْإِنْكَارُ الزَّجْرِيُّ لِتَغْيِيرِ الْحَالَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الَّذِي يُنْكَرُ عَلَيْهِ:

ونَكِيرِ- بِكَسْرَةٍ فِي آخِرِهِ- دَالَّة على يَاء الْمُتَكَلِّمِ الْمَحْذُوفَةِ تَخْفِيفًا.

وَكَانَ مُنَاسَبَةُ اخْتِيَارِ النَّكِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ الْعَذَابِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ التَّنْوِيهِ بِالنَّهْيِ عَن الْمُنكر لِيُنَبِّهَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَبْذُلُوا فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ مُنْتَهَى اسْتِطَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ

اللَّهَ عَاقَبَ عَلَى الْمُنْكَرِ بِأَشَدِّ الْعِقَابِ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الِائْتِسَاءُ بِصُنْعِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ الْحُكَمَاءُ: إِنَّ