للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَوَى النَّسَائِيُّ: أَنَّ عَائِشَةَ قِيلَ لَهَا: كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وَقَرَأَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١] حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ. وَقَدْ كَانَ خُلُقُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ هَذَا، فِيمَا عَدَا حِفْظَ الْعَهْدِ غَالِبًا، قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً [الْأَنْفَال:

٣٥] ، وَقَالَ فِي شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الْكَافِرِينَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [الْقَصَص: ٥٥] ، وَقَالَ: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت: ٦، ٧] ، وَقَدْ كَانَ الْبِغَاءُ وَالزِّنَى فَاشِيَيْنِ فِي الجاهليّة.

[١٠، ١١]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ١٠ إِلَى ١١]

أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)

جِيءَ لَهُمْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَعْدَ أَنْ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِيُفِيدَ اسْمُ الْإِشَارَةِ

أَنَّ جَدَارَتَهُمْ بِمَا سَيُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ حَصَلَتْ مِنَ اتِّصَافِهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] بَعْدَ قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ إِلَى آخِرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢] . وَالْمَعْنَى: أُولَئِكَ هُمُ الْأَحِقَّاءُ بِأَنْ يَكُونُوا الْوَارِثِينَ بِذَلِكَ.

وَتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ لِتَقْوِيَةِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَحُذِفَ مَعْمُولُ الْوارِثُونَ لِيَحْصُلَ إِبْهَامٌ وَإِجْمَالٌ فَيَتَرَقَّبُ السَّامِعُ بَيَانَهُ فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ قَصْدًا لِتَفْخِيمِ هَذِهِ الْوِرَاثَةِ، وَالْإِتْيَانُ فِي الْبَيَانِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلسَّامِعِ بِمَضْمُونِ صِلَتِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَعْرِيفَ الْوارِثُونَ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ كَأَنَّهُ قِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ هَذَا الْوَصْفِ الْمَعْرُوفُونَ بِهِ.

وَاسْتُعِيرَتِ الْوِرَاثَةُ لِلِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِأَنَّ الْإِرْثَ أَقْوَى الْأَسْبَابِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ، قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف: ٧٢] .