للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ إِلَّا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ مَنْبَتُهَا الْأَصْلِيُّ وَإِلَّا فَإِنَّ الِامْتِنَانَ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُوَجَّهًا يَوْمَئِذٍ لِسُكَّانِ طُورِ سَيْنَاءَ، وَمَا كَانَ هَذَا التَّنْبِيهُ إِلَّا لِلتَّنْوِيهِ بِشَرَفِ مَنْبَتِهَا وَكَرَمِ الْمَوْطِنِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ، وَلَمْ تَزَلْ شَجَرَةُ الزَّيْتُونِ مَشْهُورَةً بِالْبَرَكَةِ بَيْنَ النَّاسِ. وَرَأَيْتُ فِي «لِسَانِ الْعَرَبِ» عَنِ الْأَصْمَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّ كُلَّ زيتونة بفلسطين فَهِيَ مِنْ غَرْسِ أُمَمٍ يُقَالُ لَهُمُ الْيُونَانِيُّونَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ زَيْتُونَ زَمَانِهِمُ الَّذِي أَخْلَفُوا بِهِ أَشْجَارًا قَدِيمَةً بَادَتْ.

وَفِي أَسَاطِيرِ الْيُونَانِ (مِيثُولُوجْيَا) أَنَّ مِنِيرْفَا وَنَبْتُونَ (الرَّبَّيْنِ فِي اعْتِقَادِ الْيُونَانِ) تَنَازَعَا فِي تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا لِيَضَعَ اسْمًا لِمَدِينَةٍ بَنَاهَا (كَكْرَابِيسُ) فَحَكَمَتِ الْأَرْبَابُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا الشَّرَفَ لَا يَنَالُهُ إِلَّا مَنْ يَصْنَعُ أَنْفَعَ الْأَشْيَاءِ. فَأَمَّا (نَبْتُونُ) فَأَوْجَدَ فَرَسًا بَحْرِيًّا عَظِيمَ الْقُوَّةِ، وَأَمًّا (مِينِيرْفَا) فَصَنَعَتْ شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ بِثَمَرَتِهَا، فَحَكَمَ الْأَرْبَابُ لَهَا بِأَنَّهَا أَحَقُّ، فَلِذَلِكَ وَضَعُوا لِلْمَدِينَةِ اسْمَ (أَثِينَا) الَّذِي هُوَ اسْمُ مِنِيرْفَا. وَزَعَمُوا أَنَّ (هِيرْكُولْ) لَمَّا رَجَعَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ جَاءَ مَعَهُ بِأَغْصَانٍ مِنَ الزَّيْتُونِ فَغَرَسَهَا فِي جَبَلِ (أُولُمْبُوسَ) وَهُوَ مَسْكَنُ آلِهَتِهِمْ فِي زَعْمِهِمْ.

فَقَدْ كَانَ زَيْتُ الزَّيْتُونِ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الْيُونَانِ مِنْ عَهْدِ (هُومِيرُوسَ) إِذْ ذَكَرَ فِي الْإِلْيَاذَةِ أَنَّ (أَخْيُلَ) سَكَبَ زَيْتًا عَلَى شِلْوِ (فِطْرِ قَلْيُوسَ) وَشِلْوِ (هِكْتُورَ) .

وَكَانَ الزَّيْتُ نَادِرًا فِي مُعْظَمِ بِلَادِ الْعَرَبِ إِذْ كَانَ يُجْلَبُ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ مِنَ الشَّامِ.

وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ بِزَيْتِ الزَّيْتُونَةِ مَثَلًا لِنُورِهِ فِي قَوْلِهِ: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ [النُّور: ٣٥] .