للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٣٨)

عُطِفَتْ حِكَايَةُ قَوْلِ قَوْمِهِ عَلَى حِكَايَةِ قَوْلِهِ وَلَمْ يُؤْتَ بِهَا مَفْصُولَةً كَمَا هُوَ شَأْنُ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ بِ (قَالَ) وَنَحْوِهَا دُونَ عَطْفٍ. وَقَدْ خُولِفَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ لِلْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَاهُ، وَخُولِفَ أَيْضًا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَفِي سُورَةِ هُودٍ إِذْ حُكِيَ جَوَابُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ رَسُولِهِمْ بِدُونِ عَطْفٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْمَلَأِ الْمَحْكِيَّ هُنَا غَيْرُ كَلَامِهِمُ الْمَحْكِيِّ فِي السُّورَتَيْنِ لِأَنَّ مَا هُنَا كَلَامُهُمُ الْمُوَجَّهُ إِلَى خِطَابِ قَوْمِهِمْ إِذْ قَالُوا: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ إِلَى آخِرِهِ خَشْيَةً مِنْهُمْ أَنْ تُؤَثِّرَ دَعْوَةُ رَسُولِهِمْ فِي عَامَّتِهِمْ، فَرَأَوْا الِاعْتِنَاءَ بِأَنْ يَحُولُوا دُونَ تَأَثُّرِ نُفُوسِ قَوْمِهِمْ بِدَعْوَةِ رَسُولِهِمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُجَاوِبُوا رَسُولَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ آنِفًا فِي قِصَّةِ نُوحٍ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ الإعجاز فِي الْمَوَاضِع الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي أَوْرَدَ فِيهَا صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» سُؤَالًا وَلَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِهِ شَافِيًا وَتَحَيَّرَ شُرَّاحُهُ فَكَانُوا عَلَى خِلَافٍ.

وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَفْ قَوْلُ الْمَلَأِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ كَمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ آنِفًا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ وَقْتِ مَقَالَةِ رَسُولِهِمُ الَّتِي هِيَ فَاتِحَةُ دَعْوَتِهِ بِأَنْ يَكُونُوا أَجَابُوا كَلَامَهُ بِالرَّدِّ وَالزَّجْرِ فَلَمَّا اسْتَمَرَّ عَلَى دَعْوَتِهِمْ وَكَرَّرَهَا فِيهِمْ وَجَّهُوا مَقَالَتَهُمُ الْمَحْكِيَّةَ هُنَا إِلَى قَوْمِهِمْ وَمِنْ أَجْلِ هَذَا عُطِفَتْ جُمْلَةُ جَوَابِهِمْ وَلَمْ تَأْتِ عَلَى أُسْلُوبِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حِكَايَةِ أَقْوَالِ الْمُحَاوَرَاتِ.

وَأَيْضًا لِأَنَّ كَلَامَ رَسُولِهِمْ لَمْ يحك بِصِيغَة القَوْل بَلْ حُكِيَ بِ (أَنْ) التَّفْسِيرِيَّةِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْإِرْسَالِ فِي قَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٣٢] .