للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٤٩]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)

لَمَّا ذُكِرَتْ دَعْوَةُ مُوسَى وَهَارُونَ لِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ مِنْ إِهْلَاكِهِمْ أُكْمِلَتْ قِصَّةُ بَعْثَةِ مُوسَى بِالْمُهِمِّ مِنْهَا الْجَارِي وَمِنْ بَعْثَةِ مَنْ سَلَفَ مِنَ الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ وَهُوَ إِيتَاءُ مُوسَى الْكِتَابَ لِهِدَايَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِحُصُولِ اهْتِدَائِهِمْ لِيَبْنِيَ عَلَى ذَلِكَ الِاتِّعَاظَ بِخِلَافِهِمْ عَلَى رُسُلِهِمْ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٣] فَإِنَّ مَوْعِظَةَ الْمُكَذِّبِينَ رَسُولَهُمْ بِذَلِكَ أَوْلَى. وَهُنَا وَقَعَ الْإِعْرَاضُ عَنْ هَارُونَ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ قَدِ انْتَهَتْ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ لِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِذْ كَانَتْ مَقَامَ مُحَاجَّةٍ وَاسْتِدْلَالٍ فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ إِشْرَاكَ أَخِيهِ هَارُونَ فِي تَبْلِيغِهَا لِأَنَّهُ أَفْصَحُ مِنْهُ لِسَانًا فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ وَالسُّلْطَانِ الْمُبِينِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْكِتابَ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ.

وَلِذَلِكَ كَانَ ضَمِيرُ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ظَاهِرَ الْعَوْدِ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ بَلْ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ وَهُمُ الْقَوْمُ الْمُخَاطَبُونَ بِالتَّوْرَاةِ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَانْتِسَاقُ الضَّمَائِرِ ظَاهِرٌ فِي الْمَقَامِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: آتَيْنا مُوسَى بِمَعْنَى: آتَيْنَا قَوْمَ مُوسَى، كَمَا سَلَكَهُ فِي «الْكَشَّافِ» .

وَ (لَعَلَّ) لِلرَّجَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَرَقَّبَ مِنْ إِيتَائِهِ اهْتِدَاءُ النَّاس بِهِ.

[٥٠]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٥٠]

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)

لَمَّا كَانَتْ آيَةُ عِيسَى الْعُظْمَى فِي ذَاتِهِ فِي كَيْفِيَّةِ تَكْوِينِهِ كَانَ الِاهْتِمَامُ بِذِكْرِهَا هُنَا، وَلَمْ

تُذْكَرْ رِسَالَتُهُ لِأَنَّ مُعْجِزَةَ تَخْلِيقِهِ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأُمَّهُ فَهُوَ إِدْمَاجٌ لِتَسْفِيهِ الْيَهُودِ فِيمَا رَمَوْا بِهِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَإِنَّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ آيَة لَهَا وَلَا بنها جَعَلُوهُ مَطْعَنًا وَمَغْمَزًا فِيهِمَا.