للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ: وَلِكَوْنِ دِينِكُمْ دِينًا وَاحِدًا لَا يَتَعَدَّدُ فِيهِ الْمَعْبُودُ. وَكَوْنِي رَبَّكُمْ فَاتَّقُونِ وَلَا تُشْرِكُوا بِي غَيْرِي، خِطَابًا لِلرُّسُلِ وَالْمُرَادُ أُمَمُهُمْ. أَوْ خِطَابًا لِمَنْ خَاطَبَهُمُ الْقُرْآنُ.

وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيٌّ وَخَلَفٌ بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إِنَّ) وَتَشْدِيدِ النُّونِ، فَكَسْرُ هَمْزَةِ (إِنَّ) إِمَّا لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. وَالْمَعْنَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنْ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ وَخَبَرُهَا الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ سَوَاءً.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُرَادٌ بِهِ شَرِيعَةُ كُلٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُخَاطَبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

وَتَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِحَرْفِ (إِنَّ) عَلَى الْقِرَاءَاتِ كُلِّهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أُمَمِ الرُّسُلِ أَوِ الْمُشْرِكِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ.

وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، إِلَّا أَنَّ الْوَاقِعَ هُنَا فَاتَّقُونِ وَهُنَاكَ

فَاعْبُدُونِ [الْأَنْبِيَاء: ٩٢] فَيَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ وَبِالتَّقْوَى وَلَكِنْ حَكَى فِي كُلِّ سُورَةٍ أَمْرًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ وَقَعَا فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ، فَاقْتُصِرَ عَلَى بَعْضِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَذُكِرَ مُعْظَمُهُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ مَقَامُ الْحِكَايَةِ فِي كِلْتَا السُّورَتَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ: الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ وَالْأَمْرُ بِالتَّقْوَى. قَدْ وَقَعَ فِي خِطَابٍ مُسْتَقِلٍّ تَمَاثَلَ بَعْضُهُ وَزَادَ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ مَقَامُ الْخِطَابِ مِنْ قَصْدِ إِبْلَاغِهِ لِلْأُمَمِ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مِنْ قَصْدِ اخْتِصَاصِ الرُّسُلِ كَمَا فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَيُرَجِّحُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ خِطَابُ الرُّسُلِ بِالصَّرَاحَةِ.

وَأَيًّا مَا كَانَ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَوُجِّهَ ذَلِكَ أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا رِسَالَاتُ الرُّسُلِ إِلَى أَقْوَامِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ عَدَا رِسَالَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ [الْأَنْبِيَاء: ٥١]