للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّعْرِيفُ فِي الصِّرَاط للْجِنْس، أَيْ هُمْ نَاكِبُونَ عَنِ الصِّرَاطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَيْثُ لَمْ يَتَطَلَّبُوا طَرِيقَ نَجَاةٍ فَهُمْ نَاكِبُونَ عَنِ الطَّرِيقِ بَلْهَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ التَّعْرِيفُ

فِي قَوْلِهِ عَنِ الصِّراطِ لِلْعَهْدِ بِالصِّرَاطِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ أَتَمُّ فِي نِسْبَتِهِمْ إِلَى الضَّلَالِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ الْعَامِلِ مِنْ عَمَلِهِ فَهُمْ إِذَنْ نَاكِبُونَ عَنْ كُلِّ صِرَاطٍ مُوصِلٍ إِذْ لَا هِمَّةَ لَهُمْ فِي الْوُصُولِ.

وَالنَّاكِبُ: الْعَادِلُ عَنْ شَيْءٍ، الْمُعْرِضُ عَنْهُ، وَفِعْلُهُ كَنَصَرَ وَفَرِحَ. وَكَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَنْكَبِ وَهُوَ جَانِبُ الْكَتِفِ لِأَنَّ الْعَادِلَ عَنْ شَيْءٍ يُوَلِّي وَجْهَهُ عَنهُ بجانبه.

[٧٥]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٧٥]

وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦٤] وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضَاتٌ بِاسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ وَتَنْدِيمٍ وَقَطْعٍ لِمَعَاذِيرِهِمْ، أَيْ لَيْسُوا بِحَيْثُ لَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ جُؤَارَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ وَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ لَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْغَمْرَةِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ سَجِيَّةً لَهُمْ لَا تَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ. وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [الدُّخان: ١٥] .

ولَوْ هُنَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي الْمُرَادِ مِنْهُ الِاسْتِقْبَالُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ إِذِ الْمَقَامُ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّأْيِيسِ مِنَ الْإِغَاثَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَلَيْسَ مَقَامَ اعْتِذَارٍ مِنَ اللَّهِ عَنْ عَدَمِ اسْتِجَابَتِهِ لَهُمْ أَوْ عَنْ إِمْسَاكِ رَحْمَتِهِ عَنْهُمْ لِظُهُورِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ. وَأَمَّا مَجِيءُ هَذَا الْفِعْلِ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ فَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَا شَاعَ فِي الْكَلَامِ مِنْ مُقَارَنَةِ (لَوْ) لِصِيغَةِ الْحَاضِرِ لِأَنَّ أَصْلَهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الْمَاضِي وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ جَزْمِ الْفِعْلِ بَعْدَهَا.