للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ عَذَابٌ مُسْتَقْبَلٌ. وَالْأَرْجَحُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَذَابُ السَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ عَذَابُ الْجُوعِ.

وَقِيلَ: عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ حَقِيقَةً وَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها [الزمر: ٧١] .

وَالْإِبْلَاسُ: شِدَّةُ الْيَأْسِ مِنَ النَّجَاةِ. يُقَالُ: أَبْلَسَ، إِذَا ذَلَّ وَيَئِسَ مِنَ التَّخَلُّصِ، وَهُوَ مُلَازِمٌ لِلْهَمْزَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ فِعْلًا مُجَرَّدًا. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَلَاسِ كَسَحَابٍ وَهُوَ الْمِسْحُ، وَأَنَّ أَصْلَ أَبْلَسَ صَارَ ذَا بَلَاسٍ. وَكَانَ شِعَارَ مَنْ زَهِدُوا فِي النَّعِيمِ. يُقَالُ: لَبِسَ الْمُسُوحَ، إِذَا تَرَهَّبَ.

وَهُنَا انْتَهَتِ الْجُمَلُ الْمُعْتَرِضَةُ الْمُبْتَدَأَةُ بِجُمْلَةِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [الْمُؤْمِنُونَ:

٢٣] وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٤] إِلَى قَوْلِهِ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [٧٨]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ٧٨]

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (٧٨)

هَذَا رُجُوعٌ إِلَى غَرَضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَالِامْتِنَانِ بِمَا مَنَحَ النَّاسَ مِنْ نِعْمَةٍ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ بِتَخْصِيصِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ قَدِ انْتَقَلَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ

[الْمُؤْمِنُونَ: ٢٢] فَانْتَقَلَ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِآيَةِ فُلْكِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأُتْبِعَ بِالِاعْتِبَارِ بِقَصَصِ أَقْوَامِ الرُّسُلِ عَقِبَ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ

[الْمُؤْمِنُونَ: ٢٢] فَالْجُمْلَةُ إِمَّا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً [الْمُؤْمِنُونَ: ٢١] وَالْغَرَضُ وَاحِدٌ وَمَا بَيْنَهُمَا انْتِقَالَاتٌ.

وَإِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ رُجُوعًا إِلَى غَرَضِ الِاسْتِدْلَالِ وَالِامْتِنَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٣] .

وَفِي هَذَا الِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى أُسْلُوبٍ ثُمَّ الرُّجُوعُ إِلَى الْغَرَضِ تَجْدِيدٌ لِنَشَاطِ الذِّهْنِ وَتَحْرِيكٌ لِلْإِصْغَاءِ إِلَى الْكَلَامِ وَهُوَ مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ