للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِي تَنْحَطُّ مَخْلُوقَاتُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَصِيرَ بَعْضُ تِلْكَ الْآلِهَةِ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ.

وَهَذَا الثَّانِي بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ لَوَازِمِ الْإِلَهِيَّةِ فِي أَنْظَارِ الْمُفَكِّرِينَ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْآلِهَةِ عَلَى أَنْ لَا يَخْلُقُوا مَخْلُوقَاتٍ قَابِلَةٍ لِلتَّفَاوُتِ بِأَنْ لَا يَخْلُقُوا إِلَّا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا مَثَلًا إِلَّا أَنَّ هَذَا يُنَافِي الْوَاقِعَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ.

وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْآلِهَةِ أَيْضًا عَلَى أَنْ لَا يَعْتَزَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِسَبَبِ تَفَاوُتِ مَلَكُوتِ كُلٍّ عَلَى مَلَكُوتِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى مَا اتَّصَفُوا بِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ الْمُتَمَاثِلَةِ الَّتِي تَعْصِمُهُمْ عَنْ صُدُورِ مَا يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَالِ الْمَجْدِ الْإِلَهِيِّ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْلُو مِنَ الْمُصَانَعَةِ وَهِيَ مُشْعِرَةٌ بِضَعْفِ الْمَقْدِرَةِ. فَبِذَلِكَ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ بُرْهَانِيًّا، وَهُوَ مِثْلُ الِاسْتِدْلَالِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاء: ٢٢] إِلَّا أَنَّ هَذَا بُنِيَ عَلَى بَعْضِ لُزُومِ النَّقْصِ فِي ذَاتِ الْآلِهَةِ وَهُوَ مَا لَا يُجَوِّزُهُ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ، وَالْآخَرُ بُنِيَ عَلَى لُزُومِ اخْتِلَالِ أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ وَهُوَ مَا تُبْطِلُهُ الْمُشَاهَدَةُ.

أَمَّا الدَّلِيلُ الْبُرْهَانِيُّ الْخَالِصُ عَلَى اسْتِحَالَةِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ بِالذَّاتِ فَلَهُ مُقَدِّمَاتٌ أُخْرَى قَدْ وَفَّى أَيِمَّةُ عِلْمِ الْكَلَامِ بَسْطَهَا بِمَا لَا رَوَاجَ بَعْدَهُ لِعَقِيدَةِ الشِّرْكِ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى طَرِيقَةٍ مِنْهَا الْمُحَقِّقُ عُمَرُ الْقَزْوِينِيُّ (١) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ «حَاشِيَتِهِ» عَلَى «الْكَشَّافِ» وَلَكِنَّهُ انْفَرد بادعاء أَنه مَأْخُوذٍ مِنَ الْآيَةِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى. وَقَدْ سَاقَهُ الشِّهَابُ الْآلُوسِيُّ فَإِنْ شِئْتَ فَتَأَمَّلْهُ.

وَلَمَّا اقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلُ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ عُقِّبَ الدَّلِيلُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَتِيجَةِ


(١) هُوَ عمر بن عبد الرَّحْمَن الْقزْوِينِي الْفَارِسِي المتوفي/ ٧٤٥/ هـ. لَهُ حَاشِيَة على «الْكَشَّاف» تدعى بَين أهل الْعلم باسم «الْكَشْف» . وَلم يسمهَا مؤلفها بِهَذَا الِاسْم. أَخذ عَن شرف الدَّين الطَّيِّبِيّ.