للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُورَةٌ مُبْتَدَأٌ وَيَكُونَ قَوْلُهُ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي [النُّور: ٢] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ خَبَرًا عَنْ سُورَةٌ وَيَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِكَلِمَةِ سُورَةٌ ثُمَّ أُجْرِيَ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ تَشْوِيقًا إِلَى مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِثْلَ

قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَلِمَتَانِ حبيبتان إِلَى الرحمان خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»

. وَأَحْسَنُ وُجُوهِ التَّقْدِيرِ مَا كَانَ مُنْسَاقًا إِلَيْهِ ذِهْنُ السَّامِعِ دُونَ كُلْفَةٍ، فَدَعْ عَنْكَ التَّقَادِيرَ الْأُخْرَى الَّتِي جَوَّزُوهَا هُنَا.

وَمَعْنَى سُورَةٌ جُزْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٌ بِمَبْدَأٍ وَنِهَايَةٍ وَعَدَدِ آيَاتٍ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ.

وَجُمْلَةُ: أَنْزَلْناها وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ سُورَةٌ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ التَّنْوِيهُ بِهَذِهِ السُّورَةِ لِيُقْبِلَ الْمُسْلِمُونَ بِشَرَاشِرِهِمْ عَلَى تَلَقِّي مَا فِيهَا. وَفِي ذَلِكَ امْتِنَانٌ على الْأمة بتحديد أَحْكَامِ سِيرَتِهَا فِي أَحْوَالِهَا.

فَفِي قَوْلِهِ: أَنْزَلْناها تَنْوِيهٌ بِالسُّورَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ «أَنْزَلْنَا» مِنَ الْإِسْنَادِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ الدَّالِّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِهَا وَتَشْرِيفِهَا. وَعَبَّرَ بِ «أَنْزَلْنَا» عَنِ ابْتِدَاءِ إِنْزَالِ آيَاتِهَا بَعْدَ أَنْ قَدَّرَهَا اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ. فَالْمَقْصُودُ مِنْ إِسْنَادِ إِنْزَالِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَنْوِيهٌ بِهَا. وَعَبَّرَ عَنْ إِنْزَالِهَا بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ وَاقِعٌ فِي الْحَالِ بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ إِنْزَالِهَا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَرَدْنَا إِنْزَالَهَا وَإِبْلَاغَهَا، فَجُعِلَ ذَلِكَ الِاعْتِنَاءُ كَالْمَاضِي حِرْصًا عَلَيْهِ. وَهَذَا مِنَ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ فِي مَعْنَى إِرَادَةِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] الْآيَةَ.

وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ: وَفَرَضْناها وَمَعْنَى فَرَضْناها عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ: أَوْجَبْنَا الْعَمَلَ بِمَا فِيهَا. وَإِنَّمَا يَلِيقُ هَذَا التَّفْسِيرُ بِالنَّظَرِ إِلَى مُعْظَمِ هَذِهِ السُّورَةِ لَا إِلَى جَمِيعِهَا فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَمَلٌ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النُّور: ٣٥] الْآيَاتِ وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [النُّور: ٣٩] .