للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا الْإِمَامُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقِيمُ السَّيِّدُ حَدَّ الزِّنَى عَلَى أَمَتِهِ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِلَّا وَلِيُّ الْأَمْرِ.

وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُعَاقِبُونَ عَلَى الزِّنَى لِأَنَّهُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ أَوْ وَلِيٌّ يَذُبُّ عَنْ عِرْضِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا ... عَلَيَّ حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي

وَقَوْلُ عَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ:

وَهُنَّ بَنَاتُ الْقَوْمِ إِنْ يَشْعُرُوا بِنَا ... يَكُنْ فِي بَنَاتِ الْقَوْمِ إِحْدَى الدَّهَارِسِ

الدَّهَارِسُ: الدَّوَاهِي. وَلَمْ تَكُنْ فِي ذَلِكَ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ السَّيْفِ أَوِ التَّصَالُحُ عَلَى مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ.

وَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ. فَقَالَ:

تكلم. قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْم فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ. وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا

. قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ اهـ.

فَهَذَا الِافْتِدَاءُ أَثَرٌ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ فُرِضَ عِقَابُ الزِّنَى فِي الْإِسْلَامِ بِمَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ الْأَذَى لِلرَّجُلِ الزَّانِي، أَيْ بِالْعِقَابِ الْمُوجِعِ، وَحَبْسٌ لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ مُدَّةَ حَيَّاتِهَا. وَأَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مُجْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْأَذَى صَالِحٌ لِأَنَّ يُبَيَّنَ بِالضَّرْبِ أَوْ بِالرَّجْمِ وَهُوَ حُكْمٌ مُوَقَّتٌ