للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَنَّ حُكْمَهَا عَامٌّ لِمَرْثَدٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَقِّ عُمُومِ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا التَّأْصِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً تَمْهِيدٌ

لِلْحُكْمِ الْمَقْصُودِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْإِخْبَارِ دُونَ التَّشْرِيعِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الزَّانِي الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ لِاسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مَعْنَى التَّلَبُّسِ بِمَصْدَرِهِ دُونَ مَعْنَى الْحُدُوثِ إِذْ يَجِبُ أَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْ كَوْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَهُ شَائِبَتَانِ: شَائِبَةُ كَوْنِهِ مُشْتَقًّا مِنَ الْمَصْدَرِ فَهُوَ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارع، فضارب بشبه يَضْرِبُ فِي إِفَادَةِ حُصُولِ الْحَدَثِ مِنْ فَاعِلٍ، وَشَائِبَةُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَاتٍ مُتَلَبِّسَةٍ بِحَدَثٍ فَهُوَ بِتِلْكَ الشَّائِبَةِ يَقْوَى فِيهِ جَانِبُ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الذَّوَاتِ. وَحَمْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ تَقْتَضِيهِ قَرِينَةُ السِّيَاقِ إِذْ لَا يُفْهَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُحْدِثُ الزِّنَى لَا يَتَزَوَّجُ إِلَّا زَانِيَةً لِانْتِفَاءِ جَدْوَى تَشْرِيعِ مَنْعِ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ النِّكَاحِ عَنِ الَّذِي أَتَى زنى.

وَهَذَا عَلَى عَكْسِ مَحْمَلِ قَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النُّور:

٢] فَإِنَّهُ بِالْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ، أَيِ التَّلَبُّسِ بِإِحْدَاثِ الزِّنَى حَسْبَمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ آنِفًا بِقَرِينَةِ سِيَاقٍ تُرَتِّبُ الْجَلْدَ عَلَى الْوَصْفِ إِذِ الْجَلْدُ عُقُوبَةٌ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى إِحْدَاثِ جَرِيمَةٍ تُوجِبُهَا.

فَتَمَحَّضَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً إِلَخْ: مَنْ كَانَ الزِّنَى دَأْبًا لَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَتَخَلَّقَ بِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَرَادَ تَزَوُّجَ امْرَأَةٍ مُلَازِمَةٍ لِلزِّنَى مِثْلَ الْبَغَايَا وَمُتَّخِذَاتِ الْأَخْدَانِ (وَلَا يَكُنَّ إِلَّا غَيْرَ مُسْلِمَاتٍ لَا مَحَالَةَ) فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَزَوُّجِ مِثْلِهَا بِقَوْلِهِ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَقُدِّمَ لَهُ مَا يُفِيدُ تَشْوِيهَهُ بِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ حَالَ الْمُسْلِمِ وَإِنَّمَا هُوَ شَأْنُ أَهْلِ الزِّنَى، أَيْ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ الزِّنَى لَهُ دَأْبًا، وَلَوْ صَدَرَ مِنْهُ لَكَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَلْتَةِ كَمَا وَقع لما عز بْنِ مَالِكٍ.

فَقَوْلُهُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً تَمْهِيدٌ وَلَيْسَ بِتَشْرِيعٍ، لِأَنَّ الزَّانِيَ- بِمَعْنَى مَنِ الزِّنَى لَهُ عَادَةٌ- لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فَلَا تُشَرَّعُ لَهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ.