للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ صَحَّتْ يَمِينُهُ صَحَّ لِعَانُهُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحُرِيَّةَ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ إِلْحَاقُ اللِّعَانِ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ شَهَادَةً.

وَلِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الْبَدَلِيِّةِ اشْتَرَطَ أَنْ تَكُونَ أَيْمَانُ اللِّعَانِ بِصِيغَةِ: «أَشْهَدُ بِاللَّه» عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَةِ. وَأَمَّا مَا بَعْدَ صِيغَةِ (أَشْهَدُ) فَيَكُونُ كَالْيَمِينِ عَلَى حَسَبِ الدَّعْوَى الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ لَا احْتِمَالَ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِ أَرْبَعُ عَلَى أَنَّهُ مفعول مُطلق لشهادة فَيكون فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ مَحْذُوفَ الْخَبَرِ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ الَّذِي فِي الْمَوْصُولِ وَاقْتِرَانُ الْفَاءِ بِخَبَرِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ لَازِمَةٌ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلَهُ: إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ عَلَى حِكَايَةِ اللَّفْظِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: «هِجِّيرَا أَبِي بَكْرٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» . وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَخَلَفٌ بِرَفْعِ أَرْبَعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَجُمْلَةُ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ إِلَى آخِرِهَا بدل من فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ

فِي نَصْبِ أَرْبَعُ شَهاداتٍ الثَّانِي.

وَفِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ حِكَايَةٌ لِلَفْظِ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِ الضَّمِيرِ مُرَاعًى فِيهِ سِيَاقُ الْغَيْبَةِ، أَيْ يَقُولُ: إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْخامِسَةُ أَيْ فَالشَّهَادَةُ الْخَامِسَةُ، أَيِ الْمُكَمِّلَةُ عَدَدَ خَمْسٍ لِلْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَأَنَّثَ اسْمَ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ صَفَّةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ وَالتَّقْدِيرُ: وَالشَّهَادَةُ الْخَامِسَةُ. وَلَيْسَ لَهَا مُقَابِلٌ فِي عَدَدِ شُهُودِ الزِّنَى. فَلَعَلَّ حِكْمَةَ زِيَادَةِ هَذِهِ الْيَمِينِ مَعَ الْأَيْمَانِ الْأَرْبَعِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهَا لِتَقْوِيَةِ الْأَيْمَانِ الْأَرْبَعِ بِاسْتِذْكَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَيْمَانِهِ إِنْ كَانَتْ غَمُوسًا مِنَ الْحِرْمَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا هُوَ وَجْهُ كَوْنِهَا مُخَالِفَةً فِي صِيغَتِهَا لِصِيَغِ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا. وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ هِيَ الْمَجْعُولَةُ بَدَلًا عَنِ الشُّهُودِ وَأَنَّ هَذِهِ الْخَامِسَةَ تَذْيِيلٌ لِلشَّهَادَةِ وَتَغْلِيظٌ لَهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها بِالرَّفْعِ كَقَوْلِهِ: وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ. وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ