للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَسْفَارٍ أَوِ الْمُبْتَعِدِينَ عَنِ الْحَيِّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات: ٦] فَشَبَّهَ الْخَبَرَ بِقُدُومِ الْمُسَافِرِ أَوِ الْوَافِدِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْنِيَّةِ وَجَعَلَ الْمَجِيءَ تَرْشِيحًا وَعُدِّيَ بِبَاءِ الْمُصَاحَبَةِ تَكْمِيلًا لِلتَّرَشُّحِ.

وَالْإِفْكُ: حَدِيثٌ اخْتَلَقَهُ الْمُنَافِقُونَ وَرَاجَ عِنْدَ الْمُنَافِقِينَ وَنَفَرٍ مِنْ سُذَّجِ الْمُسْلِمِينَ إِمَّا لِمُجَرَّدِ اتِّبَاعِ النَّعِيقِ وَإِمَّا لِإِحْدَاثِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَحَاصِلُ هَذَا الْخَبَرِ: أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَتُسَمَّى غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ وَلَمْ تَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ إِلَّا مَرْحَلَةٌ. آذَنَ بِالرَّحِيلِ آخِرَ اللَّيْلِ. فَلَمَّا عَلِمَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا وَابْتَعَدَتْ عَنِ الْجَيْشِ لِقَضَاءِ شَأْنِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ النِّسَاءِ قَبْلَ التَّرَحُّلِ فَلَمَّا فَرَغَتْ أَقْبَلَتْ إِلَى رَحْلِهَا فَافْتَقَدَتْ عِقْدًا مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ كَانَ فِي صَدْرِهَا فَرَجَعَتْ عَلَى طَرِيقِهَا تَلْتَمِسُهُ فَحَبَسَهَا طَلَبُهُ وَكَانَ لَيْلٌ. فَلَمَّا وَجَدَتْهُ رَجَعَتْ إِلَى حَيْثُ وُضِعَ رَحْلُهَا فَلَمْ تَجِدِ الْجَيْشَ وَلَا رَحْلَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الرِّجَالَ الْمُوَكَّلِينَ بِالتَّرَحُّلِ قَصَدُوا الْهَوْدَجَ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ عَائِشَةَ فِيهِ وَكَانَتْ خَفِيفَةً قَلِيلَةَ اللَّحْمِ فَرَفَعُوا الْهَوْدَجَ وَسَارُوا فَلَمَّا لَمْ تَجِدْ أَحَدًا اضْطَجَعَتْ فِي مَكَانِهَا رَجَاءَ أَنْ يَفْتَقِدُوهَا فَيَرْجِعُوا إِلَيْهَا فَنَامَتْ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطِّلِ (بِكَسْرِ الطَّاءِ) السُّلَمِيُّ

(بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ مُسْتَوْطِنًا الْمَدِينَةَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْعَرَبِ) قَدْ أَوْكَلَ إِلَيْهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِرَاسَةَ سَاقَةِ الْجَيْشِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِابْتِعَادِ الْجَيْشِ وَأَمِنَ عَلَيْهِ مِنْ غَدْرِ الْعَدُوِّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ لِيَلْتَحِقَ بِالْجَيْشِ فَلَمَّا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ بِهِ الْجَيْشُ بَصُرَ بِسَوَادِ إِنْسَانٍ فَإِذَا هِيَ عَائِشَةُ وَكَانَ قَدْ رَآهَا قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَرْجَعَ، وَاسْتَيْقَظَتْ عَائِشَةُ بِصَوْتِ اسْتِرْجَاعِهِ وَنَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَأَدْنَاهَا مِنْهَا وَأَنَاخَهَا فَرَكِبَتْهَا عَائِشَةُ وَأَخَذَ يَقُودُهَا حَتَّى لَحِقَ بِالْجَيْشِ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولٍ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْجَيْشِ فَقَالَ:

وَاللَّهِ مَا نَجَتْ مِنْهُ وَلَا نَجَا مِنْهَا، فَرَاجَ قَوْلُهُ عَلَى حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ وَمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ (بِكَسْرِ مِيمِ مِسْطَحٍ وَفَتْحِ طَائِهِ وَضَمِّ هَمْزَةِ أُثَاثَةَ) وَحِمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أُخْتِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ