للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ أَيْضًا:

يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ رَاهِبٍ ... آمَالَ السَّلِيطِ بِالذُّبَالِ الْمُفَتَّلِ

السليط: الزَّيْتُ. أَيْ صَبُّ الزَّيْتِ عَلَى الذُّبَالِ فَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَكْثَرُ إِضَاءَةً.

وَكَانُوا يَهْتَدُونَ بِهَا فِي أَسْفَارِهِمْ لَيْلًا. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

سَمَوْتُ إِلَيْهَا وَالنُّجُومُ كَأَنَّهَا ... مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ

الْقُفَّالُ: جَمْعُ قَافِلٍ وَهُمُ الرَّاجِعُونَ مِنْ أَسْفَارِهِمْ.

وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالرَّفْعِ الرَّفْعُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ التَّعْظِيمُ وَالتَّنْزِيهُ عَنِ النَّقَائِصِ. فَالْإِذْنُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْأَمْرِ.

وَبَعْدُ فَهَذَا يَبْعُدُ عَنْ أَغْرَاضِ الْقُرْآنِ وَخَاصَّةً الْمَدَنِيَّ مِنْهُ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ ثَنَاءٌ جَمٌّ وَمُعَقَّبٌ بِقَوْلِهِ: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا.

وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فِي بُيُوتٍ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ حَال من لِنُورِهِ فِي قَوْلِهِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ [النُّور: ٣٥] إِلَخْ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّ «نُورِ» فِي قَوْلِهِ: مَثَلُ نُورِهِ مُرَادٌ مِنْهُ الْقُرْآنُ، فَيَكُونُ هَذَا الْحَالُ تَجْرِيدًا لِلِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ بِذِكْرِ مَا يُنَاسِبُ الْهَيْئَةَ الْمُشَبَّهَةَ أَعْنِي هَيْئَةَ تَلَقِّي الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ

قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السِّكِّينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»

(١) ، فَكَانَ هَذَا التَّجْرِيدُ رُجُوعًا إِلَى حَقِيقَةِ التَّرْكِيبِ الدَّالِّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ:

وَفِي الْحَيِّ أَحَوَى يَنْفُضُ الْمُرْدَ شَادِفٌ ... مَظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ

مَعَ مَا فِي الْآيَةُ من بَيَان مَا أجمل فِي لفظ: مَثَلُ نُورِهِ وَبِذَلِك كَانَت الْآيَة أَبْلَغَ مِنْ بَيْتِ طَرَفَةَ لِأَنَّ الْآيَةَ جَمَعَتْ بَيْنَ تَجْرِيدٍ وَبَيَانٍ وَبَيْتَ طَرَفَةَ تَجْرِيدٌ فَقَطْ.


(١) رَوَاهُ مُسلم بِسَنَدِهِ إِلَى أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.