للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الْفرْقَان: ١] .

وَذَكَرَ بَدَائِعَ مِنْ صُنْعِهِ تَعَالَى جَمْعًا بَيْنَ الِاسْتِدْلَالِ وَالتَّذْكِيرِ.

وَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِتَثْبِيتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَعْوَتِهِ وَمُقَاوَمَتِهِ الْكَافِرِينَ.

وَضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِلْحَالَيْنِ بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ وَمَا لَقَوْا مِنْ أَقْوَامِهِمْ مِثْلَ قَوْمِ مُوسَى وَقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ وَقَوْمِ لُوطٍ.

وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَمَدْحُ خِصَالِهِمْ وَمَزَايَا أَخْلَاقِهِمْ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى عَذَابٍ قَرِيبٍ يحل بالمكذبين.

[١]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١)

افْتِتَاحٌ بَدِيعٌ لِنُدْرَةِ أَمْثَالِهِ فِي كَلَامِ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ لِأَنَّ غَالِبَ فَوَاتِحِهِمْ أَنْ تَكُونَ بِالْأَسْمَاءِ مُجَرَّدَةً أَوْ مُقْتَرِنَةً بِحَرْفٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ، مِثْلَ قَوْلِ طَرَفَةَ:

لِخَوْلَةَ أَطْلَالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ أَوْ بِأَفْعَالِ الْمُضَارَعَةِ وَنَحْوِهَا كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

قِفَا نَبْكِ الْبَيْتَ أَوْ بِحُرُوفِ التَّأْكِيدِ أَوْ الِاسْتِفْهَامِ أَوِ التَّنْبِيهِ مِثْلَ (إِنَّ) وَ (قَدْ) وَالْهَمْزَةُ وَ (هَلْ) .

وَمِنْ قَبِيلِ هَذَا الِافْتِتَاحِ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:

آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:

كَتَمْتُكَ لَيْلًا بِالْجَمُومَيْنِ سَاهِرًا ... وَهَمَّيْنِ هَمًّا مُسْتَكِنًّا وَظَاهِرَا

وَبِهَذِهِ النُّدْرَةِ يَكُونُ فِي طَالِعِ هَذِهِ السُّورَةِ بَرَاعَةُ الْمَطْلَعِ لِأَنَّ النُّدْرَةَ مِنَِِ