للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَكُونُ (إِنْ) الشَّرْطِيَّةُ وَاقِعَةً مَوْقِعَ (لَوْ) ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ وَلَوْ شَاءَهُ لَفَعَلَهُ وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ اقْتَضَتْ عَدَمَ الْبَسْطِ لِلرَّسُولِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَلَكِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُدْرِكُونَ الْمَطَالِبَ الْعَالِيَةَ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَنَّاتِ وَالْقُصُورِ لَيْسَتِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا، أَيْ هِيَ جَنَّاتُ الْخُلْدِ وَقُصُورُ الْجَنَّةِ فَيَكُونُ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ.

وَاقْتِرَانُ هَذَا الْوَعْدِ بِشَرْطِ الْمَشِيئَةِ جَارٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعَظَمَةُ الْإِلَهِيَّةُ وَإِلَّا فَسِيَاقُ الْوَعْدِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِحُصُولِهِ، فَاللَّهُ شَاءَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، بِأَنْ يُقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ. فَمَوْقِعُ إِنْ شاءَ اعْتِرَاضٌ.

وَأَصْلُ الْمَعْنَى: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ إِلَى آخِرِهِ. وَيُسَاعِدُ هَذَا قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَأَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً بِرَفْعِ يَجْعَلْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ دُونَ إِعْمَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ، وَقِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ وَفِعْلُ الشَّرْطِ مُحَقَّقُ الْحُصُولِ بِالْقَرِينَةِ، وَهَذَا الْمَحْمِلُ أَشَدُّ تَبْكِيتًا لِلْمُشْرِكِينَ وَقَطْعًا لِمُجَادَلَتِهِمْ، وَقَرِينَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً [الْفرْقَان:

١١] ، وَهُوَ ضِدٌّ وَمُقَابِلٌ لِمَا أَعَدَّهُ لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَالْقُصُورُ: الْمَبَانِي الْعَظِيمَةُ الْوَاسِعَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٧٤] ، وَقَوْلِهِ: وَقَصْرٍ مَشِيدٍ فِي سُورَة الْحَج [٤٥] .

[١١]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ١١]

بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١)

بَلْ لِلْإِضْرَابِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِضْرَابَ انْتِقَالٍ مِنْ ذِكْرِ ضَلَالِهِمْ فِي صِفَةِ

الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذِكْرِ ضَلَالِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ عَلَى تَأْوِيلِ الْجُمْهُورِ قَوْلَهُ: إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ [الْفرْقَان: ١٠] كَمَا تَقَدَّمَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِضْرَابَ إِبْطَالٍ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ