للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عُقْبَةُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ طَعَامِهِ. وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ أُخْبِرَ بِقَضِيَّتِهِ، فَقَالَ: صَبَأْتَ يَا عُقْبَةُ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا صَبَأْتُ وَلَكِنْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِي حَتَّى أَشْهَدَ لَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي وَلَمْ يَطْعَمْ، فَشَهِدْتُ لَهُ فَطَعِمَ، فَقَالَ أُبَيٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَبْصُقَ فِي وَجْهِهِ، فَكَفَرَ عُقْبَةُ وَأَخَذَ فِي امْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ بِهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ

، فَيَكُونُ المُرَاد ب (فلَان) الْكِنَايَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فَخُصُوصُهُ يَقْتَضِي لِحَاقَ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَطَاعُوا أَخِلَّتَهُمْ فِي الشِّرْكِ وَلَمْ يَتَّبِعُوا سَبِيلَ الرَّسُولِ، وَلَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ خَلِيلٍ مُشْرِكٍ مِثْلِهِ يَصُدُّهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِسْلَامِ إِذا همّ بِهِ وَيُثَبِّتُهُ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ فَيَتَنَدَّمُ يَوْمَ الْجَزَاءِ عَلَى طَاعَتِهِ وَيُذْكُرُهُ بِاسْمِهِ.

وَالْعَضُّ: الشَّدُّ بِالْأَسْنَانِ عَلَى الشَّيْءِ لِيُؤْلِمَهُ أَوْ لِيُمْسِكَهُ، وَحَقُّهُ التَّعْدِيَةُ بِنَفْسِهِ إِلَّا أَنَّهُ كَثُرَتْ تَعْدِيَتُهُ بِ عَلى لِإِفَادَةِ التَّمَكُّنِ مِنَ الْمَعْضُوضِ إِذَا قَصَدُوا عَضًّا شَدِيدًا كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

وَالْعَضُّ عَلَى الْيَدِ كِنَايَةٌ عَنِ النَّدَامَةِ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوا فِي بَعْضِ أَغْرَاضِ الْكَلَامِ أَنْ يَصْحَبُوهَا بِحَرَكَاتٍ بِالْجَسَدِ مِثْلِ التَّشَذُّرِ، وَهُوَ رفع الْيَد عِنْد كَلَامِ الْغَضَبِ قَالَ، لَبِيدٌ:

غُلْبٌ تَشَذَّرُ بِالدَّخُولِ كَأَنَّهُمْ ... جِنُّ الْبَدِيِّ رَوَاسِيًا أَقْدَامُهَا

وَمِثْلِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ. قَالَ تَعَالَى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [إِبْرَاهِيم: ٩] . وَمِنْهُ فِي النَّدَمِ قَرْعُ السِّنِّ بِالْأُصْبُعِ، وَعَضُّ السَّبَّابَةِ، وَعَضُّ الْيَدِ. وَيُقَالُ: حَرَّقَ أَسْنَانَهُ وَحَرَّقَ الْأُرَّمَ (بِوَزْنِ رُكَّعٍ) الْأَضْرَاسَ أَوْ أَطْرَافَ الْأَصَابِعِ، وَفِي الْغَيْظِ عَضُّ الْأَنَامِلِ قَالَ تَعَالَى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١١٩] ، وَكَانَتْ كِنَايَاتٍ بِنَاءً عَلَى مَا يُلَازِمُهَا فِي الْعُرْفِ مِنْ مَعَانٍ نَفْسِيَّةٍ، وَأَصْلُ نَشْأَتِهَا عَنْ تَهَيُّجِ الْقُوَّةِ الْعَصَبِيَّةِ مِنْ جَرَّاءِ غَضَبٍ أَوْ تَلَهُّفٍ.

وَالرَّسُولُ: هُوَ الْمَعْهُودُ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.