للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ حَالَهُمْ كَحَالِ مَنْ كَذَّبُوا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ.

وَالْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] . وَالْعَدُوُّ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَمْعُ.

وَوَصَفَ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجْرِمِينَ، فَإِنَّ الْإِجْرَامَ أَعَمُّ مِنْ عَدَاوَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ أَعْظَمُهَا. وَإِنَّمَا أُرِيدَ هُنَا تَحْقِيقُ انْضِوَاءِ أَعْدَاءِ الْأَنْبِيَاءِ فِي زُمْرَةِ الْمُجْرِمِينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: عَدُوًّا مُجْرِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٧] .

وَأَعْقَبَ التَّسْلِيَةَ بِالْوَعْدِ بِهِدَايَةِ كَثِيرٍ مِمَّنْ هُمْ يَوْمَئِذٍ مُعْرِضُونَ عَنْهُ كَمَا

قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ»

وَبِأَنَّهُ يَنْصُرُهُ عَلَى الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى عَدَاوَتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً تَعْرِيضٌ بِأَنْ يُفَوِّضَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ كَافٍ فِي الْهِدَايَةِ وَالنَّصْرِ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِرَبِّكَ تَأْكِيدٌ لِاتِّصَالِ الْفَاعِلِ بِالْفِعْلِ. وَأَصْلُهُ: كَفَى رَبُّكَ فِي هَذِه الْحَالة.

[٣٢]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٣٢]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢)

عَوْدٌ إِلَى مَعَاذِيرِهِمْ وَتَعَلُّلَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ إِذْ طَعَنُوا فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ نُزِّلَ مُنَجَّمًا وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَنَزَلَ كِتَابًا جُمْلَةً وَاحِدَة. وَضمير وَقالَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهَذِهِ جَهَالَةٌ مِنْهُمْ بِنِسْبَةِ كُتُبِ الرُّسُلِ فَإِنَّهَا لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ مِنْهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ وَحْيًا مُفَرَّقًا فَالتَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَلْوَاحِ هِيَ عَشْرُ كَلِمَاتٍ بِمِقْدَارِ سُورَةِ اللَّيْلِ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا كَانَ الْإِنْجِيلُ إِلَّا أَقْوَالًا يَنْطِقُ بِهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَلَأِ، وَكَذَلِكَ الزَّبُورُ نَزَلَ قِطَعًا كَثِيرَة، فالمشركون نسوا ذَلِكَ أَوْ جَهِلُوا فَقَالُوا:

هَلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى مُحَمَّدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَنَعْلَمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَائِلَ هَذَا الْيَهُودُ أَوِ النَّصَارَى، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ بُهْتَانٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ تَنْزِلِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ إِلَّا مُفَرَّقَةً.